الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الحج فى الأديان السماوية تاريخ وبرهان على صدق الإسلام


الحمد لله و الصلاة و السلام على رسل الله، أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله. أما بعد
فهذا بحث في تاريخ الحج في الأديان، و بخاصة في الإسلام و المسيحية، فيه رد على دعوى وجود شعائر وثنية قبلها الإسلام أو اقتبسها من الوثنية الجاهلية، و فيه إثبات إبقاء الإسلام على هدايات الأنبياء السابقين محبة لهم و اقتداء بهم و استكمالا لمسيرتهم المباركة في قيادة البشرية إلى الحق و الخير و التوحيد.
تعريف الحج:
العبادات في الأديان السماوية عبد الرزاق رحيم ص116نقلا عن معجم اللاهوت ص257: و الحج عندهم هو: رحلة يقصد بها المؤمنون إلى مكان مقدس بظهور إلهي أو بنشاط معلم ديني، من أجل تقديم صلاتهم في إطار ملائم لذلك بصفة خاصة، و يجري التمهيد للحج ببعض طقوس التطهير، و تتم الزيارة في تجمع من شأنه أن يظهر للمؤمنين الجماعة الدينية التي ينتمون إليها.
ص196: و الحج عندهم بمعنى القصد إلى مكان تقدس بظهور رباني تجلت فيه القدرة الإلهية متمثلا بكنيسة أو قبر أو مشاهد لقديسيهم.
يقول المستشرق فنسنك في دائرة المعارف الإسلامية ج11ص3465: إن البحث في أصل معنى الحج لا يعدو أن يكون من قبيل النظريات، و مع ذلك فإن بعضها جائز، و قد فسر لغويو العرب الحج بأنه القصد، و يتفق هذا و معنى الحج عندالنصارى، على أنه من الواضح أن هذا المعنى اصطلاحي كالفعل العبري.
و هذا يقودنا إلى محاولة معرفة الحج عند النصارى، و معنى الحج العبري. ففي دائرة المعارف الكتابية: حجَّي أو حجَّاي هي الصفة من الكلمة العبرية ” حج ” أي ” عيد “، و لعل النبي سمي بهذا الاسم لأنه ولد في يوم عيد.اهـ و في قاموس الكتاب المقدس: حَجَّي:اسم عبري معناه عيد، أي مولود في يوم عيد.اهـ
قاموس أعلام الكتاب المقدس ص74: حجي أي بهيج أو أعيادي، و هو من الأنبياء الصغار.
و بهذا يتبين أن الحج يجمع معاني القصد و التقديس و التعييد.
مهمة شاقة:
مهمة المقارنة بين الحج الإسلامي و غيره في الأديان الأخرى.
الأركان الأربعة أبو الحسن الندوي دارالقلم ص5: و قد كانت هذه المهمة عسيرة دقيقة، إذ أن الوضع الديني و الفقهي في هذه الديانات يختلف عن الوضع الديني و الفقهي عند المسلمين، اختلافا كبيرا، و الباحث يواجه غموضا و اضطرابا عظيما، و فراغا علميا هائلا، لا عهد له به في كتب الشريعة و الفقه، و تاريخ التشريع الإسلامي.
و ثمرة جليلة:
و لكن هذه الصعوبة تتضاءل و تزول أمام الثمرة العظيمة التي نحصل عليها، حيث يعتز المسلم بدينه و يشعر بعظيم نعمة الله عليه.
الأركان الأربعة ص5: و قد كانت الحاجة إلى الدراسة المقارنة شديدة، لأن المسلم لا يستطيع أن يقدر نعمة الإسلام، و ما أكرمه الله به عن طريق هذا الدين الكامل الخالد الذي” لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد”، و لا أن يستوفي حق الشكر و الحمد إلا إذا قارن بين هذه العبادات في الإسلام و العبادات في الأديان الأخرى، فضلا عن العقائد و المبادئ و الأسس التي يقوم عليها صرح الإسلام.
الحج شريعة كل الأديان:
و لا تخلو أمة من الأمم من وجود شعيرة تشبه الحج.
العبادات في الأديان السماوية عبد الرزاق رحيم ص116: عرف البشر الحج بمفهومه العام منذ القدم. إذ لم توجد أمة من الأمم أو ديانة عند الناس إلا و عندها أماكن مقدسة تشد إليها الرحال، و يسعى الجميع إليها تبعا لطرق و تقاليد و آداب كل سفر ديني، و الإنسان غالبا ما يوجه أشواقه إلى ما يعتقد فيه القدسية و وجوب الاحترام، ليشبع به رغبته في التعظيم لتلك الأماكن، منميا حسه الديني، متغلبا على تأنيب الضمير. و هو عندما يقيم تلك المراسيم في مشاهد جماعية روحية تشده، مع بني جنسه، ارتباطا أقوى مع الإله المعبود، تنعكس إيجابيا على وضعه النفسي، فتتحسن و تهدأ حاله و تتطور.
ص196: و يرى المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون أن المكان- أيا كان- إنما جاء تقديسه من خلال شعور الناس و اعتقادهم بأن له قوة جذب روحية تلقائية تشدهم إليه، كما أنه يعبر في نظرهم عن الرغبة في إزالة مواطن التمسك بالحياة الدنيوية. و خلاصة ما ذهب إليه ماسينيون أن الأماكن المقدسة انعكاس لله المقدس. يقول المسيح:” حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهنا أكون في وسطهم” و لشد ما اهتم المسيحيون بعد حين بزيارة كل من فلسطين و روما، حيث تمثل الأولى مهبط المسيح عليه السلام، و مكان صلبه و رفعه حسب اعتقادهم، و هذه لها مدلولات روحية اهتموا بها.
الحج في الإسلام و الديانات ص403: و في جزيرة العرب بيوت عبادة كانت محجة من يدينون لها، و هي محاكاة لكعبة مكة، و مع وجود تلك البيوت لم ينصرف العرب عن مكة و كعبتها، بل كانوا يحجون إليها.
الأركان الأربعة ص278: الحج و الزيارة في الديانات القديمة، سماتهما و فوارقهما: لم تعرف أمة و لا ديانة من أمم البشر و دياناتهم، إلا و عندها أمكنة مقدسة تشد إليها الرحال، و تحث فيها المطي، و لها طرق و عادات و تقاليد و آداب لهذا السفر الديني و الزيارة المقدسة، و ذلك لأن هذا العمل إجابة لحاكم الطبيعة و تلبية لنداء الضمير، فالإنسان كما قلنا لم يزل باحثا عن شيء يراه بعينه و يوجه إليه أشواقه و يقضي به حنينه، و يشبع به رغبته الملحة في التعظيم و الدنو، و لم يزل باحثا كذلك عن عمل طويل و شاق يكفر به عن ذنوبه الجسام و سقطاته الفاضحة، ليتغلب به على وخز الضمير و تأنيب الحس الديني و لائمة المجتمع، و لم يزل في حاجة إلى مشهد ديني عظيم، يلتقى فيه على الأخوة الدينية و العاطفة الروحية، لذلك لم تخل أمة من الأمم و لا دور من أدوار المدنية من أسفار دينية، و مناسك مشهورة و مشاهد مقدسة يجتمع فيها الناس، و يذبحون الذبائح، و يقربون القرابين لله تعالى، أو لآلهتهم و معبوداتهم، و قد قال تعالى:” و لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا و بشر المخبتين” و قال:” لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر و ادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم”، و قد اكتشفت الآثار و عملية الحفر عن هذه المناسك و المشاهد في المدنيات البائدة و المدن المطمورة، و تحدث التاريخ عن وجودها، و عن بعض أخبارها، و لكن الاهتداء إلى حقيقتها و تاريخها، و الأحكام و الآداب التي تتعلق بها صعب جدا، فقد لا يرجع الباحث في ذلك إلا بقياسات و أخبار متقطعة مبتورة لا يستطيع أن يكون بها فكرة كاملة أو صورة واضحة.
و قد كان شيخ الإسلام أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي رحمة الله عليه عميق النظر واسع الاطلاع غير مجانب للصواب و الإنصاف، إذ قال في كتابه” حجة الله البالغة” و هو يتكلم في موضوع الحج: و أصل الحج موجود في كل أمة، لا بد لهم من موضع يتبركون به، لما رأوا من ظهور آيات الله فيه، و من قرابين و هيآت مأثورة عن أسلافهم يلتزمونها، لأنها تذكر المقربين و ما كانوا فيه.
العبادات في الأديان السماوية ص129: و مع ذلك، فإن وجد بعض التشابه في بعض الطقوس بين الربانيين كوقوف المسلمين في عرفات، و بين وقوف بني إسرائيل على جبل سيناء، و الامتناع عن الفحشاء، فهي مدعاة لوحدة الأديان، فمشرع الطقوس واحد هو الله تعالى جل شأنه، و الدين الإلهي واحد في جميع حيثياته، و إن اختلف من دين إلى آخر فمرده إلى ملاءمته لظرف زمني دون ظرف آخر، و مع ذلك فاليهود اليوم يتنكرون و يحاولون أن يبتعدوا عن أداء تلك الطقوس التي لا نظير لها إلا في الدين الإسلامي.
الحج في الإسلام و الديانات ص410: أما الحج المعروف في الإسلام فليس بجديد فيه، لأنه قديم يرجع إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام، و هو الذي أذن به في الناس بعد بناء الكعبة، و قد أشار القرآن الكريم إلى ذلك و قال:” و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فج عميق”.
الحج في اليهودية:
الأركان الأربعة ص279: و الديانة اليهودية ثم المسيحية من أقرب الديانات إلينا، و قد عاشتا زمنا طويلا في عصر التاريخ و العلم، و عني بهما المؤرخون و المؤلفون، و لا تزالان ديانتي أمتين كبيرتين نشيطتين في الثقافة و التأليف و السياسة، و البيت المقدس و ما حوله من آثار و مشاهد ملتقى هاتين الديانتين، و مركزهما الروحي الأصيل، و الحج إليه قديم أصيل عندهما، ولكن لا يزال هذا الركن الديني الكبير يكتنفه الشيء الكثير من الغموض و الاضطراب و قلة المعلومات،(إذا قارنا ذلك بالحج الإسلامي، الذي تشغل مناسكه و أحكامه و تفاصيله مكتبة واسعة هائلة، و هو مدون تدوينا لا يجد في الباحث عناء) و هنا خلاصة ما جاء في دائرة المعارف اليهودية المجلد العاشر:
إن الحج إلى بيت المقدس الذي كان يدعى بالزيارة يؤدى في زمن ثلاثة أعياد ( و هي عيد الحصاد و عيد الفصح اليهودي و عيد المظال)، و كان الحج فريضة على جميع اليهود، باستثناء الصغار الذين لم يبلغوا الحلم و الإناث و العميان و العرج و الضعفاء و المصابين بأمراض بدنية أو عقلية، و كانت الشريعة الموسوية توجب على كل حاج أو زائر أن يأخذ معه تقدمة للرب، و لكنها لم تعين المقدار، و كان رغم إعفاء الإناث و الصغار عن الزيارة، كان يؤمه عدد كبير منهم مع الأزواج و الآباء كما هو الشأن في الأسواق العامة، و لا تخلو الروايات التي وردت عن عدد الزائرين في أزمنة مختلفة من المبالغة، و كانت الخرفان تذبح في عدد كبير ، و كانت جلود الذبائح تقدم إلى حراس الخانات الذين كانوا يقومون اخدمة الزوار و إيوائهم من غير مقابل.
و لم تنقطع عبادة الحج بعد تدمير المعبد أيضا، و لما فتح المسلمون بيت المقدس بقيادة صلاح الدين عام1187م، تسنى لليهود القاطنين في المنطقة الشرقية أن يزوروا بيت المقدس، و ما عداه من الأمكنة المقدسة ( بين دمشق و بابل و مصر) و قد اعتاد اليهود في الشرق و لا سيما في بابل و كردستان من القرن الرابع عشر الميلادي، أن يؤدوا فريضة الحج مرة في السنة على أقل تقدير، و كان عدد منهم يقوم بالحج مشيا على الأقدام، و قد كانت الحروب الصليبية مشجعا لليهود في أوربا على الحج و الزيارة، و في عام 1492م عندما أجلي اليهود من أسبانيا، و هاجر عدد كبير منهم إلى مناطق المسلمين، تضاعف عدد اليهود الزوار، و ربما كانوا يجتمعون على قبر النبي صموئيل في قرية الرامة، حيث كانت تقوم أسواق عيدهم السنوي، و تقام التقاليد الدينية.
يعاتب اليهود إخوانهم القاطنين في بلدان أخرى، الذين ضعفت فيهم رغبة الحج و الزيارة، و زهدوا فيهما، بينما ينتهز المسيحيون الفرص لزيارة الأرض المقدسة.
و للحج أيام معينة يسميها اليهود في الشرق و شمالي أفريقيا أيام الزيارة، و قد شاع فيهم أن يزوروا فيها قبور عظمائهم، و منهم من اشتهر كملك أو كنبي أو كصالح و ولي، و هم يحتفلون بهذه الأيام بالإكثار من الأدعية و إظهار الفرح و السرور، شأنهم في الأعياد العامة، و يجتمعون بين مساء اليوم السابع عشر من تموز إلى اليوم التاسع من آب ثلاثة و عشرون يوما متوالية، مقبل الجدار الغربي لهيكل سليمان، و تبتدئ هذه العبادة في اليوم التاسع من آب من نصف الليل.
و هنالك مشاهد و ضرائح و أمكنة محلية، يشد إليها الرحال في كل قطر و بلد.
الحج في نصوص العهد القديم:
المدخل إلى الكتاب المقدس ص144: و ثمة نوع خاص من المزامير نجده في قصائد المصاعد[المزامير 120- 134]، و لعلها هي التي كان ينشدها الحجاج و هم منطلقون إلى المدينة المقدسة.
العبادات في الأديان السماوية ص117: و العهد القديم يذكر لبني إسرائيل مزارات مرتبطة بتارخه المقدس، و فرض الحج بالمعنى الحصري، في قول سفر التكوين 35: 1ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «قُمِ اصْعَدْ إِلَى بَيْتَِ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ، وَاصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحًا ِللهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو أَخِيكَ».
و فرضت التوراة في سفر الخروج على كل يهودي أن يحج إلى المعبد المقدس ثلاث مرات في السنة، و جاء في سفر الخروج 23: 14«ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ. 15تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ. تَأْكُلُ فَطِيرًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّهُ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ. 16وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الْحَقْلِ. 17ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ. 18لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي، وَلاَ يَبِتْ شَحْمُ عِيدِي إِلَى الْغَدِ. 19أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ.
و تقول الموسوعة اليهودية: إن أداء الحج فرض على الذكور فقط دون الإناث و القاصرين و العرجان و المسنين و المريض بالعقل و الجسم، و كل شخص عليه أن يقدم شيئا لم يحدد قيمته صدقة.
إن هذا التشريع لم يعمل به اليهود اليوم، يقول الحاخام روبين: يحج اليوم إلى القدس ( المدينة المقدسة) حيث حائط المبكى، الذي يعده بديلا للهيكل و المعبد اللذين لا وجود لهما الآن.
و يذكر المزمور 48 جبل صهيون بالتعظيم و يحث اليهود على الطواف حوله: 12طُوفُوا بِصِهْيَوْنَ، وَدُورُوا حَوْلَهَا. عُدُّوا أَبْرَاجَهَا. 13ضَعُوا قُلُوبَكُمْ عَلَى مَتَارِسِهَا. تَأَمَّلُوا قُصُورَهَا لِكَيْ تُحَدِّثُوا بِهَا جِيلاً آخَرَ. 14لأَنَّ اللهَ هذَا هُوَ إِلهُنَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. هُوَ يَهْدِينَا حَتَّى إِلَى الْمَوْتِ.
إشعياء2: 2وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. 3وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ.
إشعياء11: 9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ.
دانيال9: 16يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ، إِذْ لِخَطَايَانَا وَلآثَامِ آبَائِنَا صَارَتْ أُورُشَلِيمُ وَشَعْبُكَ عَارًا عِنْدَ جَمِيعِ الَّذِينَ حَوْلَنَا.
إشعياء24: 23وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ.
إشعياء25: 6وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيّ مُصَفًّى.
و عند وصول الحجاج إلى مشارف مدينتهم المقدسة ( أورشليم) يوجهون لها سلاما تحية لها.
ينشد الحجاج اليهود بعض الأناشيد الدينية كمظهر من مظاهر الحج و الزيارة، مثل نشيد المراقي (انظر المزامير من120 إلى130) و هي أبيات رثائية متساوية السطور في الكلمات و العبارات ذاتها تكرر كالصدى من بيت إلى بيت، و ينشدون نشيد صهيون الذي يشيد بضيف الهيكل الإلهي، الذي يعتبرونه ينبوع السعادة و العظمة للحجاج.
و إن كان لنا من تعليق على الحج اليهودي، فإننا نقول إن له أصلا من شرائع الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية بني إسرائيل، و لكنهم انحرفوا به عن هذه الشرائع النبوية.
الحج في الإسلام و الديانات ص411: و إذا كان اليهود يحجون، فقد أخذوا من إبراهيم الفكرة دون المكان، فما حجوا إلى المكان الذي دعا البشر أن يحجوه.
ص115: فالحج اليهودي بمناسكه و بكل ما يتم فيه غير متفق مع حج المسلمين، لأن حج اليهود وثني محض، و حج المسلمين نقيض الوثنية في كل شيء.
و قبل أن ننتقل إلى دراسة الحج في المسيحية ننقل شهادة كاتب مسيحي أنه يعتقد أن المسيح احترم الحج اليهودي، بل و مارسه بنفسه. يشير إلى ما قاله لوقا 2: 41وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. 42وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج1ص43: يهودية يسوع: و هناك عنصر آخر في حياة يسوع يميزه عن الناس، هو رفضه القوي و انتقاداته الحادة لنوعية القيادة الدينية لليهود. كان يسوع يهوديا، يحترم ناموس موسى و عادات الناس، و يحافظ على المواسم و الأعياد، عيّد عيد الفصح و حضر العبادة في المجمع و الهيكل. و كان الناس ينادونه باللقب الجليل رباي أو يا معلم.
الحج في المسيحية:
العقيدة النصرانية ج2ص182: لم يكن الحج يوما من الأيام عبادة من عبادات العقيدة النصرانية. فلم تشر الأناجيل إلى ذلك، و لم تظهر هذه العبادة في الكتابات المسيحية الأولى. و كبقية العبادات خضعت هذه العبادة أو الشعيرة لاختراعات و ابتداعات من قبل اللاهوتيين المسيحيين و خاصة البابا.
الحج في الإسلام و الديانات ص407: و أما المسيحية فلم يرد أي نص بالحج في كتبها المقدسة، و ما نراه من حج المسيحيين الكاثوليك إلى روما و ما نشهده من حج المسيحيين على اختلاف طوائفهم و فرقهم إلى القدس، لم يرد في الديانة المسيحية و أسفارها المقدسة لدى المسيحيين، و إنما هو تقليد اتبع فيما بعد بعد المسيح بقرون. و الحج المسيحي إلى القدس ليس فريضة من الفرائض المنصوص عليها في المسيحية، و إنما نشأ بعد الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين، و قد زارت القدس سنة324م، و عثرت على الصليب الحقيقي، كما تذكر بعض الروايات الضعيفة، و صعدت هيلانة إلى مرتبة القداسة فعرفت بالقديسة,
العبادات في الأديان ص195: لم تتطرق الأناجيل إلى فريضة الحج بالمعنى الحصري إلى جهة محددة، كما أن عيسى عليه السلام لم ينوه إلى هذا الواجب الديني، و لكنه عند بلوغه سن الاثني عشر يصعد- أي يذهب- مع أمه و خطيبها يوسف إلى أورشليم تنفيذا لأمر الشريعة اليهودية. يقول إنجيل لوقا2: 41وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. 42وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. و هذا الصعود مرتبط بعيد الفصح اليهودي، يقول يوحنا2: 13وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
و قد يكون من أسباب اختراع بعض اللاهوتيين المسيحيين لأنواع من الحج، الغيرة و حب المنافسة، أو الرغبة إلى جذب أتباعهم إلى أماكنهم المقدسة بدلا من الانصراف إلى أماكن أخرى لا يقدسها هذا اللاهوتي، كما فعل أبرهة الأشرم النصراني عندما على الكعبة ليهدمها.
الحج في الإسلام و الديانات ص404: و مع أن المسيحية خالية من الحج فإن المسيحيين أرادوا منافسة كعبة مكة رجاء صرف أتباعهم من العرب عنها إلى ما بنوا لهم من بيوت يحجون إليها بدلا عن الحج إلى بيت الله بمكة.
و على الرغم من خلو الأناجيل من الإشارة إلى عبادة الحج عند المسيحيين، إلا أن المسيحية أتخمت بأنواع متنوعة و متنافرة من الحج.
الأركان الأربعة ص281: أما الحج و الزيارة عند المسيحيين، فهنا خلاصة لما جاء في دائرة معارف الأديان و الأخلاق:
الحج اسم للرحلة التي يقوم بها الإنسان لزيارة المشاهد المقدسة، مثل مشاهد الحياة الدنيوية لسيدنا عيسى عليه السلام في فلسطين، أو مراكز زعماء الدين المقدسة في روما، أو الأمكنة المقدسة التي تنسب إلى المقبولين من الزهاد و الشهداء.
إن الجيل المسيحي الأول لم يشعر بضرورة زيارة مشاهد المسيح و التبرك بها، بالنسبة إلى المتأخرين الذين عنوا بذلك أكثر، و لكن انتشرت هذه الزيارة من القرن الثالث المسيحي، و قد شغف عدد كبير من المسيحيين بالبحث عن مشاهد المسيح و آثاره و زيارتها، و عنوا بذلك أكثر مما عنوا بتتبع تعاليمه و وصاياه.
و قد شاعت زيارة مشاهد روما من القرن الثالث عشر على حساب زيارة الأرض المقدسة، و إن لم تنقطع زيارة الأرض المقدسة بتاتا، و كانت روما المدينة التي تلي بيت المقدس في الأهمية، يؤمها الناس للزيارة في عدد كبير و جم غفير.
إن الأسباب التي بلغت بها البابوية قمتها، جعلت روما مركزا للزيارة، و لا سيما فإن ضريحي القديس بطرس و القديس بولس قد أضفتا عليها من العظمة و الجلال ما جعلها مثابة للمسيحيين الكاثوليك في العالم كله، و ازدحموا فيها ازدحاما كبيرا، و قد كان إقبال الزوار عظيما على سراديب الأموات التي تقدس لأجل عظام الشهداء، إن الزوار لم يتوقفوا عن زيارة روما في أي فترة من فترات التاريخ، و قد جعلتها كثرة الكنائس و الآثار التاريخية وحط أنظار الناس في كل زمان.
و القارئ يتخم بكثرة أسماء القبور و الضرائح و المشاهد العامة في أرض فلسطين، و المحلية المنتشرة في كل قطر أو ولاية، أو بلد يقطنه اليهود و المسيحيون من زمن بعيد. و صاحب مقال “الحج و الزيارة” في “دائرة المعارف اليهودية” و في “دائرة الديانات و الأخلاق” يسرد أسماء ضرائح و مشاهد للصالحين و المقبولين في أقطار أوربية و آسيوية مختلفة، و يذكر الأيام و الشهور التي تزار فيها، و ما لهذه الزيارات من آداب و تقاليد.
و إذا تأمل القارئ في مدى اهتمام اليهود و المسيحيين بهذه المشاهد و تقديسهم لها و تجشم الأسفار و المتاعب في سبيلها و كيف شغلتهم و استحوذت على مشاعرهم في كل زمان و مكان، و كيف أثارت فيهم الغلو و التقديس و التعظيم حتى وصلوا إلى حد الشرك و عبادة غير الله، عرف سر شدة إنكار النبي صلى الله عليه و آله و سلم على هذه العادة، و إشفاقه من أن يتسرب ذلك إلى المسلمين حملة لواء التوحيد إلى الأبد.
و قد ضيق الرسول صلى الله عليه و آله و سلم السبيل في وجه تجشم السفر الطويل و شد الرحال إلى المشاهد و الضرائح و الأمكنة المتبركة بقوله المأثور المشهور: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام و المسجد الأقصى و مسجدي هذا” فوقى بذلك أمته من الوقوع في فتنة المشاهد و الآثار، كما وقع فيها اليود و النصارى و الأمم الجاهلية، و كانت فريسة الشرك و الوثنية السافرة أحيانا كثيرة.
العبادات في الأديان ص199: أما الكنيسة البروتستانتية المتمسكة بنصوص الإنجيل فقط فلا تعترف بالحج، إلا أنهم يزورون قبر المصلح لوثر كنج في إيبورت أنجلوشاير.
و كدليل على تزايد اهتمامهم أقاموا جمعيات تحث الناس على زيارة فلسطين كل سنة، كما حثوهم على زيارة مصر حيث يذهبون إلى منف و طيوة لزيارة الصوامع التي كان يقيم فيها القديس أنطونيوس و القديس بولس الطيوي.
و أصبح لكل مسيحي مزاراته الخاصة يؤمها مع أبنائه تمثل في غالبيتها رفات قديسيهم أو أي شيء يذكرهم بالمسيح وأمه عليهما السلام، مثلما ادعت الكنيسة الألمانية بأنها تفتخر منذ سنة1190م بأن فيها قميص السيد المسيح، أو الكنيسة الإيطالية التي تدعي بأن لمريم العذراء بيتا فيها في مدينة لوراتو، و الكنيسة الأسبانية تتبجل ببعض آثار مريم العذراء و القديس يعقوب الرسول.
و يسمى المسيحي الذي يقوم بهذا الواجب” المقدس” نسبة إلى بيت المقدس، و تعتبر المزامير المرقمة من120 إلى 134 تراتيل يتغنى بها المقدس و هو يتوجه إلى بيت المقدس.
تزوير الرفات و تقطيعها:
و لقد لجأت الكنائس لطرق خبيثة لجذب الزبائن(الزائرين) إليها لزيادة دخلها ونذورها و أموالها، فمن جهة لجأت إلى تزوير رفات غير حقيقية لبعض القديسين ذوي الشعبية، كما لجأت إلى تقطيع بعض هذه الرفات ذات الشعبية و توزيعها على أكثر من مكان لزيادة الفائدة الخبيثة و توزيعها على كنائس.
البحث عن الاثني عشر رسولا ص18: و في الجانب الآخر فإننا يجب أن نعترف أن بعضا من هذه الرفات الرسولية يمكن أن تكون غير أصلية.
البحث عن الاثني عشر رسولا ص213: إن الزائر لأوربا يستطيع أن يزور مكانين لدفن القديس ماتياس، و كلاهما وصف بأنه حقيقي بمسئولين رومان كاثوليك، و بمعرفة ولع المجموعات الدينية المختلفة الباحثة عن الرفات في العصور الوسطى لتقسيم أجساد أو رفات الرسل إلى أجزاء صغيرة، سنحتاج إلى قليل من الشك في أن كلا من روما و ترير تحتويان على أجزاء من جسد القديس ماتياس.
ص88: فإن تلك الأماكن مثل الإسكوريال في أسبانيا تدعي احتواءها على شظايا من أجساد غالبية الرسل، و غالبا في العصور الوسطى فإن تجزئة الرفات كانت ممارسة عالميا.
قصة الحضارة ج 16ص25: و كانت الأديرة تتنافس و تتنازع في جمع المخلفات و عرضها على العبّاد الأسخياء، لأن امتلاك المخلفات الشهيرة كان يدر على الدير أو الكنيسة ثروة طائلة. و حسبنا مثلا لهذا أن نذكر أن “نقل” عظام تومس أبكت إلى ضريح جديد في كنيسة كنتر بري الكبرى (1220م) جمع من الذين شاهدوا هذا العمل ما يقدر بنحو 000ر300 ريال أمريكي بنقود هذه الأيام. و اجتذب هذا العمل الرابح كثيراً من ممارسيه، فكانت مخلفات زائفة كثيرة تباع للكنائس و الأفراد، و كانت بعض الأديرة يغريها الكسب بـ “كشف” مخلفات جديدة حين تحتاج إلى المال. و كان شر هذه المساوئ هو تقطيع الأولياء الأموات ليتيسر لعدد من الأماكن أن يحظى برعاية القديس وقوته.
معنى غياب الحج من الأناجيل:
و نحن نعتبر غياب الحج من النسخ الحالية من الأناجيل المعتبرة عند الكنيسة خللا بشعا في هذه الأناجيل و نقصا في أمانة كاتبيها، و تعترف الكنيسة بهذا الخلل و إن لم تعدم طريقة من طرقها الولبية في تبريره، يقول البابا شنودة تحت عنوان: مقدمة عن: مصادر التشريع في المسيحية
و مصدر التشريع المسيحي ليس الكتاب المقدس فقط، بل معه أيضا التقاليد الكنسية، و ليس هذا فقط، بل:
- شريعة الزوجة الواحدة البابا شنودة مطبعة الأنبا رويس بالعباسية ص7: و هناك أيضا القوانين الكنسية، سواء أكانت من الآباء الرسل أو من مجامع مسكونية أو إقليمية، أو من كبار معلمي الكنيسة من الآباء البطاركة و الأساقفة.
و سبب احتياج الكنيسة إلى مصادر إضافية للتشريع هو غياب هذه التشريعات عن الكتاب المقدس حيث
ص7: كانت للسيد المسيح أحاديث كثيرة مع تلاميذه لم يرد منها في الكتاب المقدس شيء(أع1: 3). و هذا واضح لأنهم لو سجلوا كل شيء لما كان ذلك مستطاعا، كما شهد القديس يوحنا في إنجيله(21: 25). و هكذا في أشياء كثيرة جدا و جوهرية للغاية، سار العالم المسيحي حسب التقاليد التي سلمت إليه، و لم ترد في الإنجيل، إذ لم يكن ممكنا أن تشمل الأناجيل كل شيء. و مثال ذلك كل تفاصيل العبادة في الكنيسة.
و نحن نتسائل: هل الروح القدس الذي أوحى إلى تلاميذ المسيح أن يهملوا تعاليمه الخاصة بأشياء كثيرة جدا و جوهرية للغاية- بحسب تعبير البابا شنودة- و أمر كتبة الأناجيل بعدم ذكر كل تفاصيل العبادة- بحسب تعبير البابا شنودة أيضا- هل هو نفس الروح الذي أوحى للكنيسة بملء الفراغ الذي تركه كتبة الأناجيل؟ و هو الذي أوحى إلى كل كنيسة بملء هذا الفراغ بما تراه مناسبا لها مما تقتبسه من الوثنيات المختلفة؟ أم أن روح التحريف الذي ألهم الكتبة بالحذف هو نفسه الروح الذي ألهم الكنيسة تشريع عبادات لم يأذن بها الله؟
و لقد كانت الكنيسة مضطرة إلى اللجوء إلى مصادر أخرى غير هذه التي ذكرها البابا المحترم لملء الفراغ الكبير الذي نتج عن طمس الكتبة لأحاديث و تعاليم المسيح، و هذه الفجوة التي صنعها كتبة الأناجيل.
على عتبة الكتاب المقدس ص246: آثار الكتب المسيحية غير القانونية: تبين في بدء هذا الحديث أن الكنيسة عدت الكتب التي نحن بصددها كتبا غير قانونية، و تبين أيضا أن هذه الكتب لم تخل من الفوائد، و قد ذكرنا بعضها. لكنه لا بد من عرض لما كان لها من الآثار في شتى الميادين.
ص247: بدا لنا ما تشمله هذه الكتب من حقائق دينية على جانب كبير من الأهمية، تثقيفا للشعب، أو ردا على مخالفي الإيمان من يهود و مبدعين.
ص248: في الليتورجيا: كان إذاً لهذه الكتب مكانة كبيرة في التقوى المسيحية عامة، و في التعبد المريمي خاصة. و قد عملت على إدخال بعض الأعياد على التقويم الليتورجي، من شرقي و غربي، مثل عيد يواكيم و حنة، و ميلاد مريم و تقدمتها و انتقالها، و انتشار إكرام القديس يوسف في مصر، قبل أخذ الغرب في ذلك الإكرام في أواخر القرون الوسطى. كما لا تخلو الليتورجيا من بعض نصوص مقتبسة من هذه الكتب.
لقد اضطرت الكنيسة أمام النقص الإنجيلي- في مجال العقائد و العبادات و القصص التاريخية لحياة المسيح- إلى الاستعارة من الكتب التي تعتبرها منحولة و كاذبة، و كان عليها: إما أن تعتبر هذه الأناجيل صادقة و تستحق نقل هذه الأمور المهمة منها، أو تعتبرها كاذبة و تتركها تماما و تلقيها في مزابل الأوهام، أما أن تنتقي منها بحسب الهوى فهذا مما لا يقره منطق أو عقل.
يقول القمص عبد المسيح بسيط في كتابه الإنجيل كيف كتب و كيف وصل إلينا ص110: و كان على الرسل أن يختاروا من هذا الكم الهائل من التعاليم و الأحداث ما يرشدهم إليه الروح القدس و ما يقودهم للكرازة به، و ذلك بحسب ما يتلاءم مع احتياج البشرية.
عقائدنا المسيحية الأرثوذكسية ص54: من هذا كله يتضح أن هناك تعاليم و أعمالا كثيرة صنعها السيد المسيح، لم تذكر تفصيلا في الكتاب المقدس. و لكن لا بد أن تكون قد حفظت لنا بواسطة التسليم المقدس.
و قد أعطانا المسيح عليه الصلاة و السلام مقياسا منطقيا نتعرف به على محبة الكتبة من عدمها:
إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي ( يو14: 15)
الذي عنده وصاياي و يحفظها فهو الذي يحبني و الذي يحبني يحبه أبي و أنا أحبه و أظهر له ذاتي ( يو14: 21)
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي و أثبت في محبته ( يو15: 10)
و بهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه (1يو2: 3)
من قال قد عرفته و هو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب و ليس الحق فيه (1يو 2: 4)
و لما كان الحج احتياجا نفسيا جعله الله في قلوب عباده، كما ذكرنا، و كان مفروضا عليهم في التشريعات الإلهية، و قد تم حذفه عن طريق التحريفات التي ذكرناها، فقد اضطرت الكنيسة إلى اختراع أنواع من الحج تملأ بها فراغ التشريع العبادي في الأناجيل.
حقيقة الحج ص51: عاطفة عبادة الله قد أودعت في النفس الإنسانية بصورة جبلية، فليس على الإنسان أن يعبد الله مراعاة للواقع فقط، بل فطرته هي الأخرى تطالبه بذلك، لأن عبادة الله هي من صميم الطبيعة البشرية. هذا هو السبب في أنه لا يوجد شيء يبعث في الإنسان الطمأنينة و السكينة الحقيقية مثل عبادة الله”ألا بذكر الله تطمئن القلوب”(الرعد28).
أخذت الكنيسة تبحث و تفتش، أو إن شئت الدقة قل تنكش و تنعكش، في الأناجيل لتصيد نصا تستند إليه لتفرض على أتباعها الحج، و لم تتعب الكنيسة كثيرا في البحث، كما لم تتعب في البحث على أسانيد لكل ما تريد، و سرعان ما وجدت الحل، يسوع يحث المؤمنين على الاجتماع في الحج، فهو يقول:
متى 18: 20لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ.
يا للفخر و الكرامة التي تشعرون بها أيها الحجيج، لقد نزل يسوع و حل في وسطكم، و كانت الكنيسة توحي إلى أتباعها أن يسوع حال في وسطهم ينظر إليهم و يفخر بهم و يلبي طلباتهم و يسعد باجتماعهم المبارك. و يصرخ رجال الدين في عظاتهم و يثيرون حماس الجماهير الجاهلة الغبية.
دليل آخر عثرت عليه الكنيسة، لقد مارس يسوع نفسه عبادة الحج، و ما أجمل أن نقتدي به و نتخذه أسوة:
لوقا 2: 41وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. 42وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ.
بقيت نقطة مهمة، فبعد أن أثبتت الكنيسة مشروعية و فضيلة الحج، انتقلت إلى الخطوة التالية و هي كيفية الحج، لا بد من اختراع المراسم و الطقوس، و هنا انقسمت الكنائس كما لم تنقسم في التاريخ، فلا بد للعبادة الجديدة المخترعة أن تحقق أهداف و مطامع واضعيها، و هذه المطامع مختلفة متناقضة كما أن الأهواء متناقضة و المصادر متناقضة.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج2ص48: و بذلك دخلوا بالكنيسة إلى عصر جديد، كان ممكنا أن تحل بعض المشاكل، و لكن الكنيسة انقسمت انقساما لم تتحد بعده أبدا.
لقد اعتمدت الكنيسة على مصادر متعددة، منها الأناجيل غير القانونية المنحولة، و المجامع المختلفة المتضاربة، و التقاليد الشفوية المزعومة و المتناقضة، بالإضافة إلى المصادر الدينية غير المسيحية اليهودية و الوثنية.
و كانت النتيجة: تحقيق أقصى مصالح ممكنة لرجال الدين و كهنته، و تربح الكهنوت و أثرى و انتفخ، و انتشر النصب باسم الدين، و تعددت أماكن الحج لتعدد المصالح الربحية، و تاه العامة و تشوشوا، و تعدد الدين و انفرط عقده و لم ينضبط أبدا.
قصة الحضارة ج16ص41: و كانت أعظم المهرجانات ما يقام منها عند أماكن الحج. فقد كان الرجال و النساء يحجون ليكفروا عن ذنب أو يوفوا بنذر، و يطلبوا شفاءاً من داء بإحدى المعجزات، أو ينالوا غفراناً، و ما من شك في أنهم كانوا يسعون، كما يسعى السياح في هذه الأيام، ليشاهدوا بلدانا جديدة و مناظر جديدة، و ليقوموا في طريقهم بمغامرات تطرد ما يلقونه في حياتهم الضيقة للرتيبة من ملل و سآمة. و كان هناك عشرة آلاف مكان معترف بجواز الحج إليها في أواخر القرن الثالث عشر. و كان أكثر الحجاج شجاعة يؤمون فلسطين النائية، و منهم الحفاة و منهم من لا يلبسون إلا قميصاً واحداً، و كانوا يحملون في الصلاة، صليباً، و عكازاً، و كيساً من النقود تناولوها كلها من يد قسيس. و حدث في عام 1054 أن سار ليدبيرت أسقف كمبريه على رأس ثلاثة آلاف حاج إلى بيت المقدس.
و في عام 1064 سار كبير أساقفة كولوني، و مينز، و أساقفة أسباير، و بامبرج، و أوترخت إلى بيت المقدس أيضاً، و من ورائهم عشرة آلاف مسيحي هلك منهم ثلاثة آلاف في الطريق، و لم يعد منهم إلى أوطانهم سالمين إلا ألفان، و عبر حجاج آخرون جبال البرانس، أو جازفوا بحياتهم في المحيط الأطلنطي ليزوروا الأماكن التي يقال إن بها عظام الرسول يعقوب بقُمبُستيلا من أعمال أسبانيا، وفي إنجلترا كان الإنجليز يحجون إلى قبر القديس كُثبرت في درهام، و إلى قبر القديس إدوارد المعترف في وستمنستر، و إلى قبر القديس إدمند في بيوري، أو إلى الكنيسة التي أنشأها كما يقولون يوسف الأرمائي في جلاستنبري، و كان أهم من هذه الأماكن كلها في نظر الإنجليز ضريح تومس بكت في كنتر بري.
و كانت فرنسا تجتذب الحجاج إلى قبر القديس مارتن في ثور و إلى نتردام في تشارتر، و نتردام في له- بوي- أن- فلاي. و في إيطاليا كنيسة القديس فوانسس و عظامه في أسِسي، و فيها أيضاً سانتا كاسا أو البيت المقدس في لوريتو. و يعتقد المتقون أنه هو البيت الذي سكنت فيه مريم مع عيسى في الناصرة، و أن الملائكة حملت هذا الكوخ من فلسطين حين طرد الأتراك آخر الصليبيين منها، و طارت به في الهواء ثم أنزلته في دلماشيا (1291)، ثم طارت فوق البحر الأدرياوي إلى غابات أنكونا (اللورتوم) التي اشتق منها اسم هذه القرية المكرمة.
و آخر ما نذكره في هذا المقام أن كل طرق العالم المسيحي كله كانت تؤدي بالحجاج إلى رومة، ليشاهدوا قبري بطرس و بولس، و لينالوا الغفران بزيارة المنازل المقدسة، أو الكنائس القائمة في تلك المدينة ؛ أو للاحتفال بعيد من الأعياد، أو ذكرى سارة في التاريخ المسيحي. وحدث في عام 1299 أن أعلن البابا بنيفاس الثامن أن سيقام عيد كبير في عام 1300، و عرض أن يغفر جميع ذنوب من يأتون للتعبد في كنيسة القديس بطرس في ذلك العام. و يقال إن عدد من دخل أبواب روما من الغرباء في كل يوم من أيام هذه الشهور الاثنى عشر لم يكن يقل عن مائتي ألف، و إن مليوني زائر مع كل منهم نذر يناسبه و ضعوا ما معهم من الكنوز أمام قبر القديس بطرس، و قد بلغت هذه الكنوز من الكثرة حداً شغل قسيسين ظلا يعملان بالمجارف ليلاً و نهاراً لجمع النقود. و كانت دلائل السياح ترشد الحجاج إلى الطرق التي يسلكونها، و الأماكن التي لابد لهم أن يزوروها في طريقهم أو حين يحطون رحالهم. و بوسعنا أن نرسم لأنفسنا صورة حقيقية من فرحة الحجاج المتعبين، و قد كساهم العثير، و حين تقع أبصارهم آخر الأمر على المدينة الخالدة، و حين ترتفع عقيرتهم بأغنية الفرحة و الحمد التي يتلوها الحجاج: “أي روما النبيلة، يا ملكة هذا العالم كله، و يا خير المدائن كلها، يا ذات اللون الأحمر الياقوتي الذي كستك به دماء الشهداء الوردية، و لكنك كالسوسن النقي بمن فيك من العذارى. إليك نهدي تحياتنا خلال السنين و ندعو لك بالخير، و نحييك من خلال القرون!”.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج3ص126: زيارة الأماكن المقدسة: أصبح الحج إلى المواقع المقدسة خصوصا إلى الأرض المقدسة منتشرا جدا، كما كانت مصر أيضا مكانا مألوفا للحج، ليس فقط إلى مزارات الشهداء، لكن أيضا للتشاور مع القديسين الأحياء في الصحراء و تلقي البركة منهم، و مع أن القديس أنطونيوس لم يشجع هذه الفكرة، إلا أن كثيرين من الحجاج زاروه في حياته.
و ها قد قرأنا دخول مصر و الكنيسة المصرية في مزاد الحج المقدس، و بما أن الحج يعني الكثير من النذور و العطايا و الهبات، فلا بد أن تحافظ الكنيسة المصرية على هذا المنجم الغني و النبع السخي، و لا بأس أن نقيم فرحا مع طهور، فلنعلن أننا نتعاطف مع إخواننا جيراننا المسلمين، و يستحيل أن نقبل الحج إلى القدس المقدسة تحت الاحتلال اليهودي.
قال المسلمون على لسان وزير الأوقاف المصري الدكتور زقزوق: لا يفيد المسلمين أن تمتنعوا عن الحج، بل ربما كان من المفيد لنا أن تحجوا، لكي تروا بعيونكم و تكونوا شاهد عيان على جرائم اليهود تجاه الفلسطينيين، و تنقلوا شهادتكم بما لكم من وجه عند الغربيين المتعاطفين مع اليهود.
أصرت الكنيسة على رأيها، فلا يمكنها أن تفرط في هذا الكنز المتعدد المزايا، فشركات السياحة المسيحية تعمل لنقل الحجاج إلى الأديرة و الكنائس الأثرية، و المطاعم و الفنادق المسيحية مكتظة بالزبائن، و الأديرة و الكنائس تغرف من أموال النذور و الهبات و التبرعات، و أيضا العقوبات الكنسية، و ما يشبه صكوك الغفران. كيف يمكن أن نفرط في هذا كله لاعتراض الدكتور زقزوق أو غيره أو حتى لاعتراض المسلمين كلهم.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج3ص127: كان الحجاج من أوربا يزورون الموقع و يأخذون معهم عينات من الماء في أنابيب صغيرة جدا و عليها صورة جملين، و قد تم اكتشاف بعض هذه الأمبولات في أماكن متفرقة بعيدة في السودان و ألمانيا و فرنسا. في وقت لاحق بنى الإمبراطور أركاديوس سنة395م كاتدرائية فوق الموقع، ما زالت أطلالها باقية يشاهدها الزائر. و مارمينا اليوم موقع مألوف يحج إليه المصريون، و هناك دير يتسم بالنشاط، حيث أقيمت كاتدرائية حديثة صارت مقر الراحة الأخيرة للبابا كيرلس السادس الذي توفي في مارس سنة1971.
و لا شك أن اختراعات الكنيسة قابلة للضلال بعكس تعاليم الأنبياء التي يتلقونها من الوحي الإلهي الصادق غير المعرض للضلال و الخطأ و الانحراف البشري، لذلك لا يشك عاقل في توجه الكنيسة في عباداتها البشرية المخترعة إلى الأديان الوثنية أكثر من توجهها إلى التوحيد.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج3ص126: تكريم القديسين و الشهداء: إن ممارسة تكريم القديسين و الشهداء أمر انتشر كثيرا في هذه الفترة، فكان أفراد الشعب يزورون مقابر الشهداء و يقيمون هناك وليمة (حفلة مرطبات لأرواح الموتى) و كان هذا في الواقع تطبيقا لعادة وثنية، و كثيرا ما انتقدها آباء الكنيسة، و أنشأوا بدلا منها الاحتفال بالأفخارستيا في تذكار نياحة القديسين.
و نسأل سؤالا اعتراضيا غير بريء: هل الروح القدس الذي أوحى إلى كتبة الأناجيل بطمس و إخفاء تعاليم المسيح، هو نفس الروح القدس الذي أوحى للكنيسة بإضافة طقوس و شعائر لملء الفراغ الذي أوحى الروح القدس الأول بصنعه؟ و هل الروح القدس الذي أوحى للكاثوليك بالحج إلى كنيسة القديس بطرس هو نفسه الذي أوحى للأرثوذكس بالحج إلى كنائس القدس، و هو نفسه الذي أوحى للبروتستانت بعدم الحج إطلاقا لأن الحج كفر و وثنية؟
الحج المسيحي غير الإنجيلي:
و لأن الحج في المسيحية مبني على أسس غير إنجيلية، فلا بد أن يخضع لأهواء و مطامع البشر.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص439: البابا يرغب في المال، و الشعب يرغب في غفران خطاياه، و مستعد لأن يدفع لأجله. فلكي يصل كل منهما إلى غرضه، اكتشف البابا طريقة جديدة و ناجحة للغاية.
و هذه معادلة رياضية بسيطة للغاية، الشعب معه المال الذي يحتاجه رجال الدين، و رجال الدين يوهمونهم أن لديهم السلعة التي يريدونها و هي غفران خطاياهم و دخول الملكوت، فما المانع من إجراء المقايضة العظيمة: الدين مقابل المال؟
ص294: من هذه المبادئ الصغيرة نشأ أخيرا نظام كبير، بواسطة دهاء رجال الكهنوت، مما در الربح الوفير و الثروة الطائلة على الكنيسة فيما بعد. ففريضة الحج (زيارة الأماكن المقدسة) و ما يتعلق بها من مال ثمنا للغفران، و الهبات السخية الأخرى، ما هي إلا جزء من هذا النظام العظيم.
و لا بد من وضع بعض المحسنات لتجميل السلعة و تشجيع المزيد من الزبائن، و لا بأس ببعض الكذب و التدليس في سبيل الغاية الجليلة.
قصة الحضارة 12: 111 عن جيروم: وأنشأ في بيت لحم ديراً للرهبان صار هو رئيسه، وآخر للراهبات تولت رياسته بولا ومن بعدها أوستكيوم، كما أنشأ كنيسة ليتعبد فيها الرهبان والراهبات مجتمعين، ومضيفة لحجاج الأراضي المقدسة.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص439: و الاقتباس الآتي المقتطف من المرسوم الذي أصدره البابا عام1824م بتحديد اليوبيل في السنة التالية يوضح ما نعنيه: قد عزمنا بفضل السلطان المخول لنا من السماء، أن نفتح الباب على مصراعيه إلى ذلك الكنز المقدس من استحقاقات و آلام و فضائل المسيح ربنا، و والدته العذراء، و جميع قديسيه، التي جعلها تحت تصرفنا صانع الخلاص للبشر. ……… هذا الاعتقاد الغريب جذب الآلاف إلى تلك الأضرحة، فكانت الجماهير لا تنقطع عن زيارتها، البعض منهم لكي يروا معجزات تصنع، و البعض الآخر لالتماس المعجزات فيما يتعلق بأشخاصهم، أو الغفران فيما بتعلق بأرواحهم. و هكذا أصبحت فرائض الحج أشهر و أعم أنواع العبادة. و لما كان الحجاج المتعبدون أسخياء في عطاياهم و تقدماتهم لما في قلوبهم من حرارة و بساطة، وجد هذا النوع من العبادة تشجيعا عظيما من الكهنة الجشعين، حتى جاء القرن السادس فأقيمت هياكل لا حصر لها تكريما للقديسين، و تقررت أعياد عديدة للاحتفاظ بذكرى أولئك الرجال الراحلين.
قصة الحضارة12: 121 وكان الحجاج، الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم المسيحي ليشاهدوا رهبان الشرق، يعزون إلى أولئك الرهبان معجزات.
و لا بد أن يورث هذا النظام منافسة بين التجار و غيرة و لو أدى الأمر إلى إساءة كل طرف إلى قديسي الآخرين، بل لعنهم و حرمهم.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص294: يذهب ملمان و آخرون إلى القول بأن عبادة القديسين أصبحت منتشرة و عامة بهذا المقدار حتى أنهم كانوا في خطر من أن يهمَلوا بسبب تعددهم و عدم إمكان حصرهم. “فالتقويم المزدحم لم يكن ليعرف أي يوم من أيامه يخصصه لقديس جديد دون أن يتعارض مع قديس قديم أو يلغي يومه، فالشرق و الغرب كان ينافس كل منهما الآخر في عدد قديسيه. و كان الغرب لا يقبل إلا النذر اليسير من قديسي الشرق، بينما الشرق رفض بإباء و احتقار كثيرا من أشهر القديسين الذين كان الغرب يعبدهم بأعظم غيرة و أشد حماس. و على كل فتعدد القديسين و كثرتهم بهذا الشكل إنما هو أكبر شاهد على انتشار الوثنية”. و قد أنتج التنافس في هذا المضمار بين كنيسة و كنيسة، و بين مدينة ومدينة، و مملكة و مملكة، و طائفة و طائفة، حالة من الهوس و الحماس الشديد استمرت لعدة قرون، و كل فريق يحاول جهد استطاعته اجتذاب جماهير العباد لضريح قديسهم المحبوب.
هامش: معلوم طبعا أنه لا يوجد في التقويم إلا365يوما، فماذا يعمل إن كان عدد القديسين يزيد عن هذا العدد، و هم كما عرفنا أكثر منه بمراحل.
الكنائس الشرقية وأوطانها ص63: بعد مجمع خلقيدونية أصبحت كل كنيسة لا تعترف بقداسة آباء الكنيسة الأخرى.
ص69: اتفق ممثلو الكنائس بسويسرا سنة1990م من كلا العائلتين على أن رفع الحرومات، و قرارات الإدانة التي صدرت في الماضي، يمكن أن يكون على أساس اعترافهما المشترك بحقيقة أن المجامع و الآباء الذين حرموا و أدينوا هم أرثوذكس مستقيمو العقيدة في تعاليمهم.
إن رفع الحرومات يجب أن يتم في تزامن و بإجماع رؤساء الكنائس من كلا الجانبين، و ذلك بالتوقيع على قرار كنسي مناسب، يتضمن اعتراف كل طرف بأن الطرف الآخر أرثوذكسي من كل وجه.
و لست أدري هل توافق السماء على ألغاء هذا الحرم الذي ألصق بالقديس المسكين لمدة خمسة عشر قرنا !!
و إذا اكتشف الزبائن فساد السلعة، أعني عدم جدوى القديس، أو أن غفراناته مضروبة مغشوشة، فلا بد من استحداث سلعة جديدة تجذب زبائن جدد.
قصة الحضارة14: 112 وكان من أصعب الأشياء على الرهبان والقساوسة الذين تضم أديرتهم وكنائسهم تلك المخلفات والتي تجتذب إليها الحجاج أن يرضوا بهذا الانقلاب فحرمت الكنيسة استقبال الأطباء اليهود في داخل بيوت المسيحيين، فقد كانت ترتاب في أن طب هؤلاء الناس أقوى من عقيدتهم، وكانت تخشى تأثيرهم في العقول المريضة. وفي عام 1246 حرم مجلس بزيير على المسيحيين استخدام أطباء يهود، وفي عام 1267 حرم مجلس فينا على الأطباء اليهود أن يعالجوا مسيحيين.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص257: على أن الاكتشاف المزعزم للقبر الحقيقي، و العثور على الصليب الأصلي، مضافا إلى ذلك تلك الكنيسة الفخمة التي بنتها فوق القبر هيلانة التقية و ابنها قسطنطين، كل هذه أثارت في كل الطبقات حماسا شديدا لزيارة الأراضي المقدسة. و منذ سنة326م أخذت وفود الحجاج تتقاطر و تزداد.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص294: و من ثم كانت الغيرة الشديدة، و الضرورة القصوى لاكتشاف قديس جديد من حين لآخر يكون من شأنه أن يزيد في حماس الناس و توجيه انتباههم إلى ضريح جديد.
و لا بد إذن من وجود من يعترض على هذه العبادات البشرية، بل و يصفها بأنها تعاليم الأنبياء الكذبة، و الشياطين.
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص200: امتدت الرهبنة و تقدمت تحت رعاية غريغوري، و لا سيما حسب قوانين بندكت. ثم إنه علم أو صرح بتعليم الاعتقاد بالمطهر، و احترام آثار القديسين و السجود لصور و تماثيل القديسين و الشهداء، و مزايا الحج إلى الأماكن المقدسة، و كل ما يتعلق بالنظام الإكليريكي. و هذه بلا مراء صورة واضحة لتعليم بلعام و فساد إيزابل.
هدف الكنيسة من الحج:
العبادات في الأديان ص199: في كمبوستل و في رومية كان يقام يوبيل ديني آخر سنة من كل قرن، فجعله البابا ألكيمنس السادس في آخر كل خمسين سنة، و البابا أوريانوس السادس في آخر كل 33سنة، و أخيرا جعله بولس الثاني في آخر كل25سنة.
و يشرح لنا المؤرخ أندرو ملر ص439كيف تطور اليوبيل بهذه الطريقة، فيقول: في اليوم الثاني عشر من فبراير سنة1299م نودي بمنح الغفران الكامل لكل من يزور قبري القديس بطرس و بولس مرة في اليوم، مدة ثلاثين يوما متتابعة في حالة الرومانيين، و خمسة عشر يوما في حالة الأجانب.
و كان المقصود أن يتم هذا الحج العظيم مرة واحدة في كل مائة عام و يسمى العام الأول من القرن بعام اليوبيل و هو الذي يتم فيه هذا الحج، و لما نجح هذا الحج نجاحا باهرا أذهل حتى هؤلاء الذين اخترعوه.
مختصر تاريح الكنيسة ص440: أما الثروة التي تدفقت في الخزائن البابوية سنة اليوبيل فكانت هائلة، فلو فرضنا أن كل واحد من هؤلاء الحجاج دفع مبلغا ضئيلا فكم من الثروة جمعت؟ أما التقدمات فكانت تكوّم على المذابح تكويما. حتى أطلق الرومانيون على هذه السنة اسم السنة الذهبية. و يقول لنا شاهد عيان أنه رأى كاهنين في يد كل منهما مجرفة، و يجرفان ليلا و نهارا بلا عد، أكوام الذهب و الفضة.
و من باب نسبة الفضل لأهله فإنني أعترف أنني لم أفهم قبل ذلك لماذا سمي اليوبيل بالذهبي و الفضي و الماسي. فاليوبيل الذهبي سمي بذلك لأن الكهنة كانوا يجرفون الذهب بلا عد، أما الفضي فهو أقل في الأموال الذهبية و أكثر في الفضية، و هكذا.
المهم أن البابوات الورعين فكروا في استثمار هذا النجاح.
مختصر تاريح الكنيسة ص440: كان بونيفاس قد قرر أن يحتفل باليوبيل كل مائة سنة، و لكن الفوائد التي حصلت عليها الكنيسة كانت عظيمة بهذا المقدار، حتى بدأ يفكر بطبيعة الحال أن الفترة أطول من اللازم، و عندما جاء كليمنت السادس كرر اليوبيل سنة1350م، أي بعد خمسين سنة فقط، و تدفقت الجماهير الغفيرة مرة أخرى إلى روما، و غنمت البابوية من وراء ذلك ثروة لا يصدقها عقل.
و لكن، هل تكتفي الكنيسة بهذا و تقنع؟
مختصر تاريح الكنيسة ص440: و جاء أوربان السادس فخفض فترة اليوبيل في سنة1389م إلى ثلاث و ثلاثين سنة، قياسا على المدة التي امتدت إليها حياة سيدنا على الأرض.
و لست أدري أي نوع من أنواع القياس هذا، و لعل أحدا من إخواننا دارسي أصول الفقه يرشدنا مشكورا: هل اخترعوا قياسا جديدا يسمى قياس استهبال و استعباط و استغفال؟
مختصر تاريح الكنيسة ص440: و أخيرا جاء بولس الثاني عام1475م فقرر الاحتفال بعيد اليوبيل كل خمس و عشرين سنة، و هي المدة التي لا يزال معمولا بها إلى يومنا الحاضر.
العبادات في الأديان ص201: و في نهاية المطاف أوجدت كل فرقة مسيحية مزارات تؤمها خاصة بقديسيها.
فإذا حكم المسيحيون على أنفسهم و على حجهم بالوثنية
مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر ص294: فلا عجب إذاً إن حكم المسلمون بأن المسيحيين عبدة أوثان.
و لا يلام المسلمون إذا اتهموا المسيحيين بالوثنية بعد أن اتهمهم المسيحيون أنفسهم بذلك، بل بعد أن ثبت لهم أنهم يتعبدون بوصايا الناس، و قد عبر المسيح- فيما تروي عنه الأناجيل- عن عدم اعترافه بعبادات باطلة هي وصايا الناس: و باطلا يعبدونني و هم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس. ( متى 15 : 9 ) ( مرقس 7 : 7 )
الحج عند غير الكتابيين:
الأركان الأربعة ص285: أما الديانات الهندية- بما فيها من البوذية و الجينية و البرهمية- فقد كثرت فيها المشاهد و المعابد و الأمكنة المقدسة المقدسة من النواحي و الأطراف كثرة فاحشة بطبيعة الحال، و هي الأمكنة التي يرون لها شرفا عظيما و قدسا خاصا، و يعتقدون فيها بركة لما حدث فيها من الوقائع العظيمة، و أكرم فيها بعض عظمائهم بالقرب أو الكلام أو الوصول و المعرفة، أو تجلت فيها بعض آلهتهم- كما يزعمون- تجليا خاصا، و كثرت فيها الأعياد الدينية و المواسم و الأسواق، التي انصبغت بصبغة الدين.
و أكثر هذه المشاهد و الأمكنة المقدسة على ساحل نهر الكنج المقدس، يجتمع فيها أهل البلاد في عدد هائل، للاغتسال في النهر المقدس، و منها ما يجتمعون فيها سنويا، أو عدة مرات في السنة، و منها ما يجتمعون فيها بعد سنين، كغسل الذي يجتمعون له بعد اثني عشر عاما، عند ملتقى نهري الكنج و جمنا في برياك، و من أشهرها مدينة بنارس في الولاية الشمالية على نهر الكنج، و يعدون الاغتسال فيه كفارة للذنوب، و من أعظم الحسنات و القربات، و و يؤثرون الموت في المدينة، و تنقل جثث الموتى من النواحي البعيدة لتحرق هناك، أو تترك في النهر، على اختلاف العقائد و العادات و الطوائف الهندية، و منها بلدة أجودهيا التي كانت مركزا لراما، و متهرا التي لها اتصال بتاريخ كرشنا، و منها هردوار، و كلها في الولاية الشمالية الغربية، و هنالك مشاهد و شواطئ، و معابد هامة تعد بالعشرات في شبه القارة الهندية، تختلف فيها العادات و التقاليد باختلاف الأقاليم و المناطق، و باختلاف الطوائف التي تدين بها.
و من أعظم المراكز المحجوج إليها عند البوذيين مدينة كيا في ولاية بهار التي قضى فيها مؤسس هذه الديانة المؤله “كوتم بده” مدة طويلة، و تشرف بالشهود أو المعرفة التي يسمونها نيروان.
و في العقيدة الإسلامية لا يوجد ما يمنع أن يكون بعض أو كل الرجال الذين ذكروا أنبياء أرسلهم الله سبحانه بالحق لأقوامهم إلا أن أتباعهم ألههوهم و حرفوا دياناتهم، و تكون هذه الأديان أو بعضها صحيحة من عند الله في أصلها، إلا أنه نالها التحريف. يقول الأستاذ العلامة محمد فريد وجدي:
سفير الإسلام إلى سائر الأقوام ص22: هل يُعقل أن الله يرسل موسى إماما و رحمة إلى بضعة آلاف نفس من بني إسرائيل، و يترك مئات الملايين من الصينيين و اليابانيين و سائر الآسيويين و الأفريقيين و الأستراليين و غيرهم بلا علم و لا هدى و لا كتاب منير، يهيمون في الظلمات و يعمهون في الضلالات بلا مرشد و لا رسول كريم؟ هل يُتصور أن الله و هو الخالق العادل المنزه عن المحاباة و المصانعة يوحي حقائق الدين إلى بضعة آلاف من الناس، و يترك رِبوات الملايين في الظلام البهيم و الفساد العميم؟
كلا! بل قال تعالى:” و إن من أمة إلا خلا فيها نذير”(فاطر24) و قال تعالى:” منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك”(غافر78)
من هنا يتضح أن الله أرسل لكل أمة رسولا و كتابا و جمعهم على دينه قرونا و أحقابا.
منكرات يرتكبها الحجيج:
ككل سلوك جماعي يشترك فيها عدد كبير من الناس، أغلبهم بسطاء لا يتحصلون على الكثير من العلم و الفهم، بعضهم ذهب معظما العبادة حقا و هو يجهل الكثير من أصولها، آخرون ذهبوا للعبث و المجون و ليس للعبادة أدنى نصيب من التعظيم في قلوبهم، و آخرون ذهبوا للفرجة و التسلية و السياحة، أو التجارة و جمع المال، بل و للفسق و الفجور، فنتج عن اختلاف الأهداف اختلاف كبير في السلوك، و لم تخل أمة من هذه الآفة على اختلاف في درجة الانحطاط و نسبته.
الحج في الإسلام و الديانات ص422: و الحج و العمرة معروفان قبل الإسلام، و انقلبا عبادة وثنية بعد أن كان الحج شعيرة دينية في ملة إبراهيم، و صارت المناسك الإبراهيمية طقوسا و أقوالا وأعمالا وثنية.
العبادات في الأديان ص198: و لكن في القرن السادس عشر الميلادي حدث انعطاف كبير في مفهوم الحج، إذ خرج عن مفهومه و غرضه الديني الصرف، و على أيدي رجال الدين المصلحين، فصوروه على أنه عمل طفولي عديم النفع و الجدوى، مستندين في رأيهم على اعتراف أوزبرج عام1350م، الذي رأى في ثراء الحجاج من وراء التجارة عملا منافيا لما رسم للحج، مما جعل غالبية الشعب تنظر باستهزاء إلى الحجاج و ما يؤدونه في شعيرتهم هذه، مما حث الكنيسة الكاثوليكية على أن تسقط عن أتباعها فريضة الحج؟
و لعل هذا هو سبب احتقار بعض المسيحيين للحج باعتباره وثنية، بينما عاشت الكنيسة قرونا تعلم أتباعها مزايا الحج و فعاليته في غفران الخطايا.
العبادات في الأديان ص198: و بتغيير الظروف السياسية و الاجتماعية للأمم المسيحية سرعان ما تغيرت نظرتهم للحج، مما أوجب على الكنيسة إعادة النظر فيما فرضته من تعاليم إلى نصابها الأول. و كأنهم في ذلك يخضعون الحج لأهوائهم و ميولهم، مما حدا بالكنيسة الكاثوليكية بأن تعرف الحج بأنه”أعمال ذات قيمة دينية معتقدين بأن الحجاج يستحقون مكافأة سماوية”
الأركان الأربعة ص286: و الأعياد و الأسواق التي تقام في هذه الأمكنة المقدسة و على الشواطئ مسرح للفوضى و الجنايات، و يتجلى فيها عدم النظام و عدم النظافة، لكثرة الزوار و القاصدين الذين قد يبلغ عددهم- خصوصا في الأعياد و الأسواق التي تقام بعد مجموعة من السنين- إلى ملايين من النفوس، رغم حرص الحكومة على إقامة النظام و قوانين الصحة و الوقاية من الأمراض، و تقترن بتقاليد جاهلية و أعمال شركية، و أساطير الآلهة و الآلهات القديمة. و من إعجاز القرآن أنه لما ذكر حج البيت الذي بناه إبراهيم و حث عليه، نعى على الشرك و الوثنية و الزور الذي تلوثت به المناسك و أعمال الحج و الزيارة في الديانات و الأمم الأخرى، فقال:” ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه و أحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به”
ص287: هذه صورة مجملة لأساليب الحج و الزيارة، و الرحلة الدينية في ديانات العالم الرئيسية، التي لا يزال لها أتباع و مؤمنون يعدون بالملايين.
العبادات في الأديان ص201: اعتنق الإنسان عقائد و أديان كثيرة مختلفة بعضها عن بعض، و لكنها متشابهة من حيث المضمون، و إن كانت تختلف في المسميات.
و السمة البارزة لها هي العمل على تقديس المصلحين خاصة بعد وفاتهم، مع إدخال كثير من العقائد الوثنية الأخرى السابقة لوفاة هذا المصلح، و ذلك أن مغزى جميع الأديان المنزلة على الأنبياء واحد، لا يختلف في المصدر و المضمون، و لكن الإنسان بضلاله صيرها إلى التحريف و الفساد من خلال ما أدخله من الخرافات الوثنية، و بما اخترعه من أوهام زينتها له تصوراته المترسبة عبر أحقاب الماضي البعيد، المتمثلة بالكم الهائل من المعبودات البشرية أو غير البشرية، كقوى الطبيعة مثل الهواء و الماء، أو الأجرام السماوية كالقمر و الشمس.
و قد تأثرت العبادات المسيحية بعبادات الوثنيين، و هم لا يخفون هذا التأثير أو ينكرونه، بل يعترفون به باعتباره من نتاج الحضارة الإنسانية، التي يتفاعل أبناؤها فيما بينهم حتى في مجال العقيدة.
الإسلام يصحح مسيرة البشرية:
لما أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه و سلم هداية للبشرية و رحمة و إنقاذا لهم من براثن الضلال و الوثنية، لم يكن من الممكن أن يتركهم على الحال التي كانوا عليها من الشرك و الوثنية و الجاهلية، كما لم يكن ممكنا أن يزيل كل ما هم عليه من حق و باطل معا، بل أبقى الحق الباقي من تراث الأنبياء السابقين، و أزال ما دخل على دينهم من الباطل و التحريف.
الحج في الإسلام و الديانات ص411: و لما كرم الله البشرية برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فرض الحج بشروطه و أركانه و واجباته و سننه.
و لم تكن الفريضة ابتداء، و إنما كانت تجديدا و تطهيرا، فالحج قديم أقدم من الإسلام بحوالي عشرين قرنا قبل الميلاد، و قد دخل فيه من الشرك و الوثنية ما خرج به عن حقيقته و جوهره، فلما بعث الله محمدا عليه صلوات الله و سلامه أبقى الحج و طهره مما كان قد دخله.
و الإسلام لا يلغي ملكات العبادة و إنما يبقيها ثم يطهرها من الأدران و الوثنيات و الشركيات، لأن الإلغاء محو و إزالة، و الإسلام لا يريد أن يزيل الملكات و الغرائز، بل يزيل ما علق بها مما لا يرضى عنه. و يوجهها إلى الخير و الفضيلة و الحق و الجمال.
و هذا ما صنعه بالحج، فقد أبقاه بعد تجريده مما علق به، و تطهيره مما لا يتفق مع الطهر و النقاء.
ص422: و لهذا لم يقض الإسلام على الشعائر الدينية و الخلائق الفاضلة و الطبائع الطيبة، بل أبقاها على فطرتها، ثم تناول ما جد عليها من المعتقدات الباطلة، ليضع في النفس الإنسانية ما يريد من العقيدة الصحيحة مكان تلك العقيدة.
ص425: و مزية الإسلام أنه أبقى طبيعة الخير و ملكة التدين، و أزال الشرك و الوثنية، حتى لكأن الحج جديد في كل مظاهره و أسراره و حكمه و مزاياه.
يقصد أن الأشياء التي قام الإسلام بتغييرها في الحج الجاهلي- و التي سندرسها بالتفصيل بإذن الله- لكثرتها و تعددها، يكاد يكون قد جاء بحج جديد تماما في كل نواحيه.
الحج في الإسلام و الديانات ص104: الطواف: الطواف الدوران حول الكعبة المشرفة، و منذ قامت و الطواف مقترن بقيامها في جميع العصور و العهود، حتى إذا جاء الإسلام نقاه من الشرك و الوثنية، و مما لا يتفق مع جلال البيت من آداب، فطهر رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت من الأوثان و الأصنام و الرجس كله، و حرم أن يطوف بالبيت مشرك أو عريان، و أعاد إلى الطواف صفاءه و نقاءه و جلاله و قداسته.
الأركان الأربعة ص287: دور الإسلام الإصلاحي في تشريع الحج: و قام الإسلام- شأنه في الأركان الثلاثة الأخرى- بدوره الإصلاحي التجديدي في الحج، و قد كان أهل الجاهلية قد أدخلوا في الحج عادات جاهلية و أمورا ابتدعوها، ما أنزل الله بها من سلطان، و اصطلحوا على أشياء و تواضعوا عليها من الزمن القديم، فكان تحريفا في الحج الذي شرعه الله على لسان إبراهيم، و توارثته قبائل العرب جيلا بعد جيل، جنى على كثير من مقاصده و فوائده، و كانت الحمية الجاهلية و النخوة القبلية، و ما كانت عليه قريش من التفاخر و الكبيراء و حرصهم على التميز هو الباعث الأكبر على هذه الزيادات و التحريفات، فجاء القرآن و التشريع الإسلامي بإزالة هذه البدعة و التحريفات و إبطالها، و قد تصدى القرآن الحكيم لكل بدعة من هذه البدع، و لكل موقف من مواقف الجاهلية الدخيلة، فاجتثه و استأصل شأفته و أبدله بخير منه.
الحج في الإسلام و الديانات ص417: و إذا كانت فكرة الضحية في الديانات السابقة مقصورة على القربى من الإله المعبود لديها، فإن الضحية في الإسلام تغيرت في مقاصدها و حِكًمها، فالله عز و جل يقول:”لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم” فالضحية نفسها لحما و دما لن تصل إلى الله، و لكن الطاعة هي الواصلة إليه، و لا يقتصر نفعها على الطاعة وحدها، بل يتجاوزها إلى الناس، إذ يجدون فيها سعة في الحياة، و يشارك الفقراء إخوانهم الأغنياء في اليسر و السعة في تلك الأيام العظيمة و في العيد المسمى الأضحى.
فهذه النقلة التي أجراها الله على يد أبي الأنبياء هي نقلة بالغة العظم و الظهور في تاريخ الإنسان و الوحدانية و تاريخ الحضارات، و انتهت إلى الإسلام على خير ما تنتهي العقيدة، فحرمت الضحية البشرية، و أحل الانتفاع بالضحية من الحيوان.اهـ
و إذا كان بعض الدارسين يلاحظون التشابه بين الحج الإسلامي و بين بعض النصوص في الكتاب المقدس بعهديه، فهذا مما أبقاه القوم من تراث أنبيائهم.
الحج في الأديان ص128: و إن ما يحاول تأكيده المستشرق هوف في إثبات الدعوى بالرجوع إلى الأصل اليهودي في الحج من خلال المشابهة و الموازنة بين الشعائر و الطقوس عند المسلمين و اليهود، هي محاولة زرع الشك في تعاليم الإسلام. و أنها تعاليم مقتبسة من التوراة، متناسين أن أداء المسلمين لهذه الفريضة يختلف روحا و شكلا عما عند اليهود، و من عدة نواح، منها:
و سوف ندرس بالتفصيل أوجه الاختلاف بين الحج الإسلامي، و بين شعائر اليهود، مع بيان صلة هذه الأخيرة بالوثنية التي اقتبسها اليهود من الأمم المحيطة بهم.
الحج في الإسلام و الديانات ص418: و المقصد الأساسي من الحج الإسلامي قائم على طاعة الله، و على إفراده بالعبادة، و الإنابة إليه وحده، و بالخضوع له دون سواه.
شهادة غير المسلمين للتصحيح الإسلامي:
و هذا التصحيح الهائل الذي أجراه الإسلام يبدو كالطود الشامخ، يظهر لكل عين منصفة، و لا ينكره إلا من غطى الحقد بصيرته فأعماه عن رؤية الشمس الساطعة في كبد السماء، و الآن يحلو لنا أن ننقل شهادات غير مسلمين للإسلام، ليس لأننا نحتاج إلى هذه الشهادات لنتعرف على عظمة ديننا، و لكن لتكون دليلا فوق دليل، و برهانا يضاف إلى برهان.
يقول نظمي لوقا محمد الرسالة و الرسول ص65: لا يدع القرآن شائبة من ريب في مسألة وحدانية الله ……….. و في ذلك نقض لعقائد الشرك، و تصحيح لعقائد أهل الكتاب أيضا.
الأبطال توماس كارليل ص66: الإسلام هو أن نسلم لأمر الله و نذعن له و نسكن إليه و نتوكل عليه، و أن القوة كل القوة هي في الاستقامة لحكمته و الرضا بقسمته أيا كانت في هذه الدنيا و في الآخرة، و مهما يصبنا به الله و لو كان الموت الزؤام فنتلقه بوجه مبسوط و نفس مغتبطة راضية و نعلم أنه الخير و أن لا خير إلا هو, و لقد قال شاعر الألمان و أعظم عظمائهم “جابتي”: إذا كان ذلك هو الإسلام فكلنا إذن مسلمون. نعم كل من كان فاضلا شريف الخلق فهو مسلم.
- الدعوة إلى الإسلام بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية تأليف سير توماس و أرنولد مكتبة النهضة المصرية ص90: أضف إلى هذا قول تايلور: ……… فأزال الإسلام، بعون من الله، هذه المجموعة من الفساد و الخرافات، لقد كان ثورة على المجادلة الجوفاء في العقيدة و حجة قوية ضد تمجيد الرهبانية باعتبارها رأس التقوى. و لقد بين أن الله رحيم عادل يدعو الناس إلى الامتثال لأمره و الإيمان به و تفويض الأمر إليه، و أعلن أن المرء مسئول، و أن هناك حياة آخرة و يوما للحساب، و أعد للأشرار عقابا أليما، و فرض الصلاة و الصوم و الزكاة و فعل الخير، و نبذ الفضائل الكاذبة و الدجل الديني و الترهات و النزعات الأخلاقية الضالة و سفسطة المتنازعين في الدين. و أحل الشجاعة محل الرهبنة، و منح العبد رجاء، و الإنسانية إخاء، و وهب الناس إدراكا للحقائق الأساسية، التي تقوم عليها الطبيعة البشرية”
دائرة المعارف الإسلامية المستشرق ماكدونالد ج4ص1010: فإن الدين في مكة أيام محمد لم يكن وثنية ساذجة، بل كان أشبه بالعقيدة المسيحية التي جعلت للقديسين و الملائكة مقاما بين الله و عباده. و قد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يرى أنه جاء مصلحا يدعو إلى عقيدة أكثر بساطة و قدما و يعيد الملائكة و الجن إلى مكانهم الصحيح.
يتحدث المؤرخ الأمريكي الكبير ول ديورانت عن نبينا صلى الله عليه و سلم فيقول:
قصة الحضارة ج13ص47: و كانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، و كانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. و قد كبح جماح التعصب و الخرافات، و أقام فوق اليهودية و المسيحية، و دين بلاده القديم، ديناً سهلاً واضحاً قوياً، و صرحاً خلقياً قوامه البسالة و العزة القومية. و استطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، و في قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، و أن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم.
و عن القرآن يقول:
قصة الحضارة ج13ص69: و القرآن يبعث في النفوس الساذجة أسهل العقائد، و أقلها غموضا، و أبعدها عن التقيد بالمراسم و الطقوس، و أكثرها تحرراً من الوثنية و الكهنوتية. و قد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي و الثقافي، و هو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي و الوحدة الاجتماعية، و حضهم على اتباع القواعد الصحية، و حرر عقولهم من كثير من الخرافات و الأوهام، و من الظلم و القسوة، و حسن أحوال الأرقاء، و بعث في نفوس الأذلاء الكرامة و العزة.
و النفوس الساذجة التي يعنيها ديورانت تلك النفوس البسيطة السليمة الفطرة التي لم تمتلئ أو تتشبع بعقيدة تناقض عقيدة القرآن البسيطة، و لم تتلوث بأدران الوثنية، و يختم هذه الفقرة بقوله العجيب: و قد عرَّف الدين و حدده تحديداً لا يجد المسيحي و لا اليهودي الصحيح العقيدة ما يمنعه من قبوله.
و هو ما يعد اعترافا صريحا بأن إنسانا سليم الفطرة صحيح الدين لا يمكنه أن يجد في نفسه ما يصده عن الإسلام أو يمنعه من قبوله، أما من انتكست فطرهم و عقولهم فلهم شأن آخر.
أمثلة مما صححه الإسلام:
الحج في الإسلام و الديانات ص426: و طهر الإسلام الحج من الوثنية و جعله حجا نظيفا يصدر من التوحيد الحق، لا شرك و لا وثنية فيه، و لم ينزع منه إلا ما طرأ عليه و على غيره من الشرك و الوثنية.
فمما أبطله الإسلام وغيره و صححه:
1- التمييز بين البشر:
الأركان الأربعة ص288: فمن ذلك أن قريشا لم يكونوا يدخلون عرفات مع الحجيج، بل يقفون في الحرم، و يقولون: نحن أهل الله في بلدته و قُطّان بيته، و يقولون نحن الحمُس، و ما ذلك إلا ليتميزوا عن سائر الناس، و يحافظوا على مركزهم الجاهلي، و على ما كانوا يتخيلونه من سمو و امتياز، فأبطل الله هذا الامتياز الجاهلي، و أمرهم بأن يعملوا كما يعمل الناس، و يقفوا بعرفات. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: كانت قريش و من دان دينها يقفون بالمزدلفة و كانوا يسمون الحمس، و كان سائر العرب يقفون بعرفات. فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى:” ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس”. قال ابن كثير: و كذا قال ابن عباس، و مجاهد، و عطاء، و قتادة، و السدي، و غيرهم. و اختاره ابن جرير، و حكى عليه الإجماع، رحمهم الله.
2- التفاخر:
الأركان الأربعة ص288: و منها أن أهل الجاهلية، كانوا قد اتخذوا الموسم سوقا للتفاخر و المساجلة، كما كان شأنهم في عكاظ و مجنة و ذي المجاز، و كانوا ينتهزون كل فرصة للاجتماع و تلاقي القبائل للتطاول بالأنساب،و مآثر الآباء و عد المفاخر، و كان الاجتماع في منى خير مكان لإرضاء العاطفة الجاهلية، فنهى الله عن ذلك، و أبدلهم بما هو خير منه، و هو ذكر الله، فقال سبحانه:” فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا”(200البقرة) قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم و يحمل الحَمَالات [و يحمل الديات]. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم. فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم:” فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا”
3- الجدال و اللهو و الخصام:
الأركان الأربعة ص289: و منها أن الحج قد فقد على مر الأيام شيئا كثيرا من قدسه و طهره و نزاهته، و أصبح عيدا من أعياد الجاهلية، و مكانا للهو و الخصام، فذم الله ذلك في القرآن و قال:” فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ”(197البقرة) قال ابن كثير: و قال عبد الله بن وهب: قال مالك: قال الله تعالى:” وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ” فالجدال في الحج- و الله أعلم- أنّ قريشًا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، و كانت العرب، و غيرهم يقفون بعَرفَة، و كانوا يتجادلون، يقول هؤلاء: نحن أصوب. و يقول هؤلاء: نحن أصوب. فهذا فيما نرى، و الله أعلم. و عن محمد بن كعب، قال: كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجُّنا أتّم من حجكم. و قال هؤلاء: حجّنا أتم من حَجكم.
4- تصحيح معنى الضحية و القربان:
الأركان الأربعة ص289: و منها أن العرب كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوا الهدايا و الضحايا لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم، و نضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى:” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا” (37الحج) قال ابن كثير: و عن ابن جريج قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل و دمائها، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم: فنحن أحق أن ننضح، فأنزل الله:” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ” أي: يتقبل ذلك و يجزي عليه. كما جاء في صحيح مسلم: ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَ لاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم”
الحج في الإسلام و الديانات ص412: و هناك هَدي في الحج الإسلامي، و هو ما يهدى إلى بيت الله الحرام من النعم، و هذا القربان لله، دون أن ينال اللهَ لحومُها، و لكن ما يصل إلى الله هو التقوى و ليس غير التقوى، و ليس هناك كهان يستأثرون بالذبائح. فبعضها لربهم و بعضها لهم، و إنما اللحوم من نصيب الناس، يوسعون على أنفسهم بها، فيأكل الجميع من تلك اللحوم.
يشير في الاقتباس السابق إلى زعم الكتاب المقدس أن رائحة شواء الذبيحة تسر الرب، و هو فكر وثني تسرب للأسف إلى نصوص الكتاب المقدس.
المحرقة طقس وثني:
الأسطورة و التراث د سيد القمني ص99: ثم رأى الإنسان- زيادة في تملق آلهته- أن يذبح لها من ماشيته، بحسبان اللحم أعلى من النبات رتبة، و لما لم يكن متيسرا له أن يحمل قربانه ليذبحه عن عروش الآلهة، فقد عمد إلى ذبحه ثم حرقه لتتصاعد مادته دخانا، تشمه الآلهة فتهدأ نفوسها.
ص100: عندما كان الإنسان لا يزال يصارع بدائيته الوحشية، و بالتدريج الارتقائي في تطور العقل تحول نحو الحيوان يستبدله بالإنسان، ليقدمه لآلهته مذبوحا أو محروقا فداء لنفسه أو للقبيلة أو المواطن، و أحيانا اكتفى بتقديم النبات في حال احتياجه للحيوان.
و المرتفعات هي المذابح، و المحرقات تعني قربانا يذبح ثم يحرق، أو يقدم مباشرة طعمة لنيران الإله ( البعل)، و البعل إله كنعاني يعني اسمه ( السيد) و مع القرن الأول الميلادي، تمتد العقلية البشرية إلى حد تنزل معه الإله من السماء، لتقدمه على الصليب فداء لخطايا البشر، كما تقرر العقيدة المسيحية.
التفسير التطبيقي ص2410: لقد كان نظام الذبائح قديما هو عماد الحياة الدينية و الاجتماعية و العائلية في العالم الروماني. فعند تقديم ذبيحة لأحد الآلهة في معبد وثني، كان يحرق جزء منها، أما الباقي فكان، في غالب الأحيان، يرسل إلى السوق ليباع هناك.
فصحح الإسلام المعاني الوثنية للضحية و المحرقة، إلى معاني التقوى لله سبحانه و التأسي بأنبيائه و البر بالفقير.
5- إبطال عبادات سخيفة لا معنى لها:
الأركان الأربعة ص290: و منها أن العرب كانوا إذا نووا الحج تحرجوا من دخول البيوت من الأبواب، و كانوا يرون ذلك إثما و تفريطا في جنب الله و في جانب الحج، و كانوا يتسورون البيوت من ظهورها ما داموا محرمين، فأبطل الله ذلك، و نفى أن يكون من أنواع البر، و قال:” وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189البقرة) أخرج البخاري عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) قال ابن كثير: وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن البراء، قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سَفَر لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية.
6- إبطال ترك الزاد:
الأركان الأربعة ص290: و منها أن أناسا من العرب كانوا يستحيون و يتأثمون من أن يخرجوا للحج مع زاد يبلغهم إلى البيت و يتجلدون، و يتظاهرون بالتوكل، و يقولون: نحن ضيوف الله، و لا نتزود و لا نتبلغ، و كانوا لا يتحرجون من التسول و الشحاذة و الاستجداء، و يعدون ذلك في سبيل الله، فنهاهم الله عن ذلك، و قال:” وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197البقرة) قال ابن كثير: عن ابن عباس: كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزْودة، يقولون: نَحُجُّ بيت الله و لا يطعمنا؟.. فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. أخرج البخاري مرسلا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَ لاَ يَتَزَوَّدُونَ وَ يَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ). و روى ابن جرير وابن مَرْدُويه عن ابن عمر، قال: كانوا إذا أحرموا- ومعهم أزوادهم- رموا بها، واستأنفوا زادًا آخر؛ فأنزل الله تعالى:”وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” فَنُهوا عن ذلك، و أمِرُوا أن يتزودوا الكعك و الدقيق و السويق.
7- إبطال تحريم الحلال الطيب:
الأركان الأربعة ص291: و كذلك كانوا يتأثمون من التجارة في الموسم، و ذلك تحريم ما أحل الله، روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضى الله عنهما- قَالَ كَانَتْ عُكَاظٌ وَ مِجَنَّةُ وَ ذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) فِى مَوَاسِمِ الْحَجِّ ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. و عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا يَتَّقون البيوع و التجارة في الموسم، و الحج، يقولون: أيام ذكر، فأنزل الله:”لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ”
8- إبطال طواف العرايا:
الأركان الأربعة ص292: و منها أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة، و يقولون: لا نطوف في ملابس عصينا الله فيها، فكان ذلك بابا لفساد عظيم، و تشريعا جاهليا، فأنزل الله تعالى:” يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31الأعراف)
أخرج مسلم عن هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً إِلاَّ أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْحُمْسُ ثِيَابًا فَيُعْطِى الرِّجَالُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ وَكَانَتِ الْحُمْسُ لاَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ.
قال ابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ… فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ. فقال الله:(خذوا زينتكم).
و أخرج الطبري عن ابن عباس قوله:(خذوا زينتكم عند كل مسجد) الآية” قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة. و”الزينة”، اللباس، و هو ما يواري السوءة، و ما سوى ذلك من جيِّد البزِّ و المتاع ، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.
قال ابن كثير قال غير واحد من أئمة السلف في تفسيرها: أنها أنزلت في طوائف المشركين بالبيت عراة.
و قد قرن ذلك بأمر و تنفيذ من رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأرسل أبا بكر رضي الله عنه في العام التاسع، و أمره بأن يعلن: لا يطوف بالبيت عريان. قال البخاري رحمه الله: باب لا يطوف بالبيت عريان و لا يحج مشرك. و روى بإسناده عن أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه- في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل حجة الوداع- يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان.
الحج في الإسلام و الديانات ص425: فالطواف بالبيت عريان حقيقة، و كان موجودا بعد الإسلام، و كان آخر العهد به سنة تسع من الهجرة، ثم قضى عليه الإسلام من العهر المعروف في الوثنيات بالعهر المقدس. و ما في العهر قداسة و لا عبادة و لا حسن، و لهذا حرمه الإسلام و أحل محله كل ما هو طيب و جميل.
9- تعليم المسلم الفصل بين ما يجوز و ما لا يجوز، فيحق الحق و يبطل الباطل:
الأركان الأربعة ص292: و منها أن الطوائف من العرب كانت تتحرج أن تطوف بالصفا و المروة، و كانوا يرون ذلك من أمر الجاهلية، فأنزل الله:” إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا(158البقرة) عن عروة، عن عائشة قالت: قلت: أرأيت قول الله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } قلت: فوالله ما على أحد جناح أن لا يطَّوف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي إنها لو كانت على ما أوّلتَها (10) عليه كانت: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يُهِلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشلَّل. وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوَّف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطَّوف بالصفا والمروة في الجاهلية. فأنزل الله عز وجل: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } إلى قوله: { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } قالت عائشة: ثم قد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما، فليس لأحد أن يَدع الطواف بهما. أخرجاه في الصحيحين.
و أخرج البخاري عن عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا و المروة فقال كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله تعالى:” إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما”
10- إنهاء ربط الحج بأفراح واحتفالات الحصاد:
الحج في الإسلام والديانات ص411: و لا يرتبط الحج الإسلامي بمواسم الزرع و الحصاد. لأنه يأتي في جميع فصول السنة، فهو يأتي في الربيع كما يأتي في الصيف و الشتاء.
11- إنهاء سلطان الكهنة:
الحج في الإسلام والديانات ص411: و لم يفرض الحج لتثبيت سلطان الكهنة و سلطان المسجد، لأنه ليس في دين الإسلام كهنوت و لا كهان، و كل مسلم رجل دين، فإذا لم يعرف من أموره أخذه ممن يعلمه دون أن يكون في ذلك خضوع لمن يأخذ منه العلم.
12- إلغاء النذر للمكان:
الحج في الإسلام والديانات ص411: و ليس للمسجد الحرام سلطان و إتاوات و نذور و هبات يأخذها من قاصديه، فكل مسجد مستقل بنفسه مع الاتجاه إلى الكعبة التي يحويها المسجد الحرام، و ليس في ذلك سلطانا يفرض على المتجهين إليه طقوسا خاصة و لا إتاوات.
13- إلغاء التلبية الشركية:
الحج في الإسلام والديانات ص427: و من ذلك التلبية، فقد كان لكل قبيلة تلبية خاصة بها، و كان في بعض التلبيات كفر و شرك، و في بعضها ما لا يحسن بجلال الله.
14- العبادة و القربى لله وحده:
الحج في الإسلام والديانات ص412: و الهدي و الضحية قربان إلى الله وحده، و ليس فيه شرك أو وثنية كما هو معروف في الديانة اليهودية، التي نجد فيها المساواة في القربان بين الله جل جلاله، و بين الشيطان لعنه الله.
في سفر اللاويين- أحد أسفار توراتهم- اللاويين 16: 6وَيُقَرِّبُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ. 7وَيَأْخُذُ التَّيْسَيْنِ وَيُوقِفُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 8وَيُلْقِي هَارُونُ عَلَى التَّيْسَيْنِ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةً لِلرَّبِّ وَقُرْعَةً لِعَزَازِيلَ.
فأحد التيسين قربان لربهم و الآخر لعزازيل الذي هو الشيطان، كما يفسره قاموس الكتاب المقدس الذي ألفه نخبة من اللاهوتيين و ذوي الاختصاص.
15- نبذ الإساءة إلى الله مع إقامة العبادة الحقيقية:
الحج في الإسلام والديانات ص414: و إذا كان القربان في اليهودية طعام الله- كما زعموا- فإن القربان في الإسلام قربى من الله سبحانه و تعالى، كما قال في محكم كتابه:” وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37الحج)
16- كما أبطل الإسلام طقوسا وثنية كان العرب يفعلونها كالسائبة و بعض الطقوس الموجهة إلى الشمس أو إلى الشيطان، و سوف نذكرها بالتفصيل في الصفحات التالية بإذن الله.
و الخلاصة:
الحج في الإسلام والديانات ص427: و تناول الإسلام كل مناسك الحج بالتطهير، و إن كان قد أبقى بعض ما يقال و يعمل على حاله مما لا يناقض التوحيد و شعائر الإسلام.
الحج في الإسلام والديانات ص419: و موجز القول: إن البشرية عرفت الحج، و لكن الذي نجزم به أن ديانات السماء التي سبقت الإسلام خالية من الحج لفقدان أسبابه و دواعيه، إلا ديانة إبراهيم الذي أمره الله أن يؤذن في الناس به.
فإذا رأينا في اليهودية و في بعض الوثنيات حجا فذلك مما تحدر إليها من أبي الأنبياء عليهم صلوات الله و سلامه، و لكن هذه الديانات قد خرجت بالحج عن حقيقته و حكمه و مفهومه الأصيل إلى ما لا يتفق معها، فانقلب إلى منسك مادي في اليهودية، و إلى منسك وثني في الديانات الوثنية التي تعد اليهودية إحداها.
أما الإسلام فهو الذي أعاد إلى الحج الذي أذن به إبراهيم ما أراد الله له من الحكم، و طهره من الوثنية و الشرك، و جدده بعد أن أضاف إليه ما يحفظه للإنسان إيمانه الحق، و يتفق مع الرشد و الهداية و الإنسانية.
و كما تفرد الإسلام على كل الديانات صحيحها و باطلها بأنه دين الحق و الخير و الفضيلة و الجمال و المحبة و السلام و الهداية و رشد العقل و الضميرو الإنسانية، فإن الحج الإسلامي قد تفرد على كل ضروب الحج في العبادة و في الوسائل و الغايات الإنسانية، و اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المزايا و المحاسن و المكرمات التي تطيب بها الإنسانية نفسا و قولا و عملا، و بذلك كان الحج الإسلامي ملتقى الخير كله، ذلك الخير الذي يقوم على صلاح الإنسان في دنياه و دينه و آخرته.
هدف هذه الإصلاحات:
الأركان الأربعة ص293: و بهذه الإصلاحات البعيدة الأثر رد التشريع الإسلامي هذا الركن العظيم إلى أصله الإبراهيمي، و وضعه الأصيل النقي، البعيد عن تأويل الجاهلين و تحريف الغالين و انتحال المبطلين.
و قد أحسن شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم الدهلوي، إذ قال: اعلم إنه صلى الله عليه و سلم بعث بالملة الحنيفية الإسماعيلية، لإقامة عوجها و إزالة تحريفها و إشاعة نورها، و ذلك قوله تعالى:” ملة أبيكم إبراهيم” و لما كان الأمر على ذلك، وجب أن تكون أصول تلك الملة مسلمة، و سننها مقررة، إذ النبي إذا بعث إلى قوم فيهم بقية سنة راشدة، فلا معنى لتغييرها و تبديلها، بل الواجب تقريرها، لأنه أطوع لنفوسهم، و أثبت عند الاحتجاج عليهم.
الاعتراض على الحج في الإسلام:
و برغم كل ما ذكرنا من تطهير الإسلام العظيم للحج من شعائر الوثنية و الجاهلية، يخرج علينا بعض الجهلة و الكذابين و المنافقين و يزعمون وجود صلة بين الحج الإسلامي و الوثني. يقول المدعو سام شمعون في كتابه محمد و الوثنية ص13: لم يكن إبراهيم أبدا ليضع صنما أسود لذريته كي تقبله، خاصة على ضوء حقيقة أن ذريته تلقت أوامر إلهية تنعها من إجلال أي شيء منظور.
و بعد أن يذكر الكاتب المخبول نصا من سفر التثنية 4: 10- 19 ينهى عن اتخاذ التماثيل، يقول في نهاية كتابه السخيف:
محمد و الوثنية ص14: لذلك ما كان إله إبراهيم الحقيقي ليرسل حجرا أسود لأتباعه فيقبلوه.
ثالثا: تمثال مريم و المسيح أمر ليست له سابقة في الكتاب المقدس، لأن العهد القديم و المسيحيين الأولين لم يكوّنوا صورا عن المسيح أو مريم. الوثنيون الذين اعتنقوا المسيحية و أدخلوا العادات الوثنية و دمجوها بالكنيسة اعتمدوا هذه التقاليد بعد عدة قرون. هذا الاندماج هو تماما ما فعله محمد عندما صهر التقاليد العربية الوثنية مع نموذجه من التوحيد، فخلق دين الإسلام.
في الختام يجب أن نقول أن محمدا بدأ و انتهى بدين وثني، مع فارق وحيد أنه أعاد تغليفه بمضمون توحيدي.
و لو كان الكاتب ملحدا لاحترمناه و احترمنا وجهة نظره، فكثيرا ما قرأنا لملحدين يعترضون على الأديان كلها، و يذكرون نظريات سفيهة أشبعت نقدا و تفنيدا، أما أن يكون الكاتب مسيحيا يتبع الكتاب المقدس الملون كزجاج الكاتدرائيات ثم ينتقد الحج في الإسلام فهذا هو البله و السخف و السفه بعينه.
و نرد عليه من وجهين، دفاعي و هجومي، فأما الدفاعي فنقول: قال البخاري رحمه الله: بَاب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ وَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
فلا يعتقد المسلم أن الحجر الأسود وثن يعبد، فلا يوجد مسلم يدعوه أو يعبده أو يسجد له، أو يضع صورته يتعبد أمامها، و لا يعتقد أن له بركات أو قوات للنفع و الضر، أو أنه وسيط أو شفيع بين الله و خلقه، أو أية صورة من صور الوثنية.
و أما الرد الهجومي، فنقول: نعم نحن نقرّ أن الكتاب المقدس نهى نهيا قاطعا في أهم الوصايا العشر عن اتخاذ الصور و التماثيل أو السجود لها أو عبادتها.
الخروج 20: 4لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَ لاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. 5لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَ لاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ.
و للمبالغة في تعظيم هذه الوصايا- أو لسبب آخر- تكررت الوصايا في التثنية 5 بالإضافة إلى النص الذي اقتبسه المدعو سام شمعون.
و نحن لا ننكر نهي الكتاب المقدس القاطع عن صنع التماثيل و الصور و عن السجود لها. و لكن هذه إحدى صور الزجاج الملون، أما الصورة ذات اللون الآخر فهي أن نفس الكتاب المقدس أمر باتخاذ الصور.
و يعطينا القس إلياس مقار تشبيها جميلا للعلاقة بين الكتبة و الوحي في المسيحية فيقول في كتابه إيماني أو القضايا المسيحية الكبرى ص160:
و المسيحية في غير هذه الجزئية المحددة لا ترى كتاب الوحي مجرد آلات صماء ساكنة تسجل ما يذكره الله، بل هم على العكس أناس مختلفو المواهب و الملكات و الوزنات. و قد دفعهم الله و حركهم و ساقهم و نفخ بروحه فيهم فأشعل ما فيهم من مواهب أو وزنات و استغل جميع ما لهم من ملكات أو إمكانيات، و قد صور وورفيلد العلاقة الإلهية البشرية في الكتاب بذلك الضوء الذي ينفذ خلال زجاج الكاتدرائيات الملون. الذي و إن كان في حد ذاته نورا علويا يأتي من الشمس. إلا أنه يحمل معه لون الزجاج عندما ينفذ خلال النوافذ إلى داخل الكاتدرائية.
و يمكننا أن نسأل أيا من إخواننا دارسي علم الضوء: إذا سمح الروح القدس للزجاج الأزرق ثم الأخضر ثم الأحمر ….. أعني الكاتب و المترجم و الناسخ، إذا سمح لكل منهم بتوصيل الوحي حسب رؤيته و حسب تلوينه و حسب شخصيته، فكم يتبقى من اللون الأصلي ليخرج في النهاية؟ سيجيب إخواننا: لا شيء، صفر. أقول: أليس من حقنا أن نتعلم الوحي الإلهي كما جاء من الله دون تدخل بشري ملون؟ أم أن حق الكتبة في التدخل و تغيير الوحي بحسب ألوانهم و شخصياتهم أهم من حق مليارات البشر في التعرف على الوحي الإلهي نقيا.
عقائدنا المسيحية الأرثوذكسية للقس بيشوي حلمي ص375: الله يأمر بعمل صور محددة في كنيسة العهد القديم:
الله الذي قدم الوصية الأولى من الوصايا العشر هو أيضا الذي أمر شعبه أن يقيموا صورا معينة في خيمة الاجتماع و هيكل سليمان، فنحن نجد أن:
- الله أوصى موسى أن يصنع تمثالي الكاروبين بأجنحة متقلبة تظلل على غطاء التابوت في الخيمة و كان الله يجتمع بالشعب هناك و يتكلم معهم. الخروج25: 19فَاصْنَعْ كَرُوبًا وَاحِدًا عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَا، وَكَرُوبًا آخَرَ عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ الْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ الْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ. 20وَيَكُونُ الْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى الْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الآخَرِ. نَحْوَ الْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا الْكَرُوبَيْنِ. ,,,,,,,,,. 22وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
- و أوصاه أيضا أن يصنع الشاروب مصورا على حجاب الخيمة. الخروج26: 31«وَتَصْنَعُ حِجَابًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ. 32وَتَجْعَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ مُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ.
- كما أمر الله موسى أن يعمل تمثالا من النحاس لحية محرقة نارية يضعها على عامود في البرية لتكون مصدر شفاء لكل من ينظر إليها. العدد21: 7فَأَتَى الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى وَقَالُوا: «قَدْ أَخْطَأْنَا إِذْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَيْكَ، فَصَلِّ إِلَى الرَّبِّ لِيَرْفَعَ عَنَّا الْحَيَّاتِ». فَصَلَّى مُوسَى لأَجْلِ الشَّعْبِ. 8فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا». 9فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا.
- وكان في هيكل سليمان كاروبان كبيران مغشيان بالذهب يظلل جناحاهما على التابوت، و صارت وحدة الشاروب وحدة فنية متكررة منقوشة على حوائط الهيكل و على مصراعي الباب. الملوك الأول6: 23وَعَمِلَ فِي الْمِحْرَابِ كَرُوبَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، عُلُوُّ الْوَاحِدِ عَشَرُ أَذْرُعٍ. 24وَخَمْسُ أَذْرُعٍ جَنَاحُ الْكَرُوبِ الْوَاحِدُ، وَخَمْسُ أَذْرُعٍ جَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرُ. عَشَرُ أَذْرُعٍ مِنْ طَرَفِ جَنَاحِهِ إِلَى طَرَفِ جَنَاحِهِ. 25وَعَشَرُ أَذْرُعٍ الْكَرُوبُ الآخَرُ. قِيَاسٌ وَاحِدٌ، وَشَكْلٌ وَاحِدٌ لِلْكَرُوبَيْنِ. 26عُلُوُّ الْكَرُوبِ الْوَاحِدِ عَشَرُ أَذْرُعٍ وَكَذَا الْكَرُوبُ الآخَرُ. 27وَجَعَلَ الْكَرُوبَيْنِ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ، وَبَسَطُوا أَجْنِحَةَ الْكَرُوبَيْنِ فَمَسَّ جَنَاحُ الْوَاحِدِ الْحَائِطَ وَجَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرِ مَسَّ الْحَائِطَ الآخَرَ. وَكَانَتْ أَجْنِحَتُهُمَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ يَمَسُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. 28وَغَشَّى الْكَرُوبَيْنِ بِذَهَبٍ.
أخبار الأيام الثاني3: 7وَغَشَّى الْبَيْتَ: أَخْشَابَهُ وَأَعْتَابَهُ وَحِيطَانَهُ وَمَصَارِيعَهُ بِذَهَبٍ، وَنَقَشَ كَرُوبِيمَ عَلَى الْحِيطَانِ.
كل هذه الشهادات توضح أن الله في الوصية الأولى من الوصايا العشر لم يحرم الصور بطريقة مطلقة، إنما أراد بالمنع تحريم عبادة الأصنام.
و يذكر تبرير أحد كبار رجال الكنيسة لتوقير الصور و الأصنام ص374: يقول الأب يوحنا الدمشقي:” إن منع الصور في العهد القديم قام جوهريا على عجز الشعب اليهودي عن التمييز بين العبادة الخاصة بالله وحده، و التكريم الذي يمكن تقديمه لغير الله، أما المسيحيون و قد اجتازوا مرحلة الطفولة صاروا قادرين على التمييز بينهما، فليس هناك مانع لاستخدام الأيقونات إذ هم يستطيعون ألا يمزجوا بين التعبد للسيد المسيح و توقير أيقونته المقدسة”
موسوعة علم اللاهوت ص420: و قال لوثر في هذا المجال: لو سجدت قدام أيقونة الصلبوت، لا أكون بذلك سجدت لأيقونة الفادي، و إنما لذات الفادي، بتكريمي للخشبة ( صورة الصليب)
موسوعة علم اللاهوت ص420: و إن الصور كانت بالكنائس في مقاطعة غلاطية في عهد الرسول بولس الذي أشار إلى أنه قد رُسم المسيح مصلوبا أمام عيونهم. غلاطية3: 1أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا!
كما كانت الحية النحاسية لها صورة حسية ملموسة.
فهل وصل المسيحيون- حقا- لمرحلة التمييز بين العبادة الحقيقية لله، و بين عبادة الصور و التماثيل و تعلق القلب بها؟!
حياة الصلاة الأرثوذكسية الأب متى المسكين ص564: بواسطة الصليب يستطيع الإنسان أن يطرد كل خداعات الشياطين. أثناسيوس الرسولي
و مع الصلاة ارشم نفسك بالصليب على جبهتك، و حينئذ لا تقربك الشياطين لأنك تكون متسلحا ضدهم. يوحنا ذهبي الفم.
ص591: أنا عندما أعبد و أسجد لصورة ابن الله لا أعبد مادة الخشب أو الألوان- حاشا- و لكني إذ ألتقي بالصورة التي ليس فيها حياة التي تمثل فقط شخص المسيح ألتقي عن طريقها بالمسيح الحي و أعبده من خلالها. لونديوس أسقف نيابوليس في قبرص
اللاهوت المقارن شنودة ص149: من الخلافات التي بيننا و بين البروتستانت إكرامنا العجيب للصليب. و من ذلك رشم الصليب. فهم لا يرشمون ذاتهم بعلامة الصليب قبل الصلاة و لا بعدها قائلين باسم الآب و الابن و الروح القدس. و لا يرشمون الطعام بعلامة الصليب قبل الأكل. و لا يستخدمون الصليب للبركة. لا في رشم الناس، و لا في رشم الملابس.
و يكتفي البروتستانت بإيمان قلوبهم بالصليب دون استخدامه. و كانوا إلى عهد قريب لا يعلقونه على الكنائس. و كثير منهم لا يعلقونه على صدورهم. و كلهم لا يمسكون صليبا في أيديهم. و هم أيضا لا يحتفلون بأعياد الصليب، و لا بموكب له، و لا يطوفون به بالأناشيد و الألحان.
و هم أيضا لا يقبلون الصليب، و لا يأخذون بركته.
و سنحاول الآن أن نشرح لماذا اهتمامنا هذا كله بالصليب. و نرى كيف أن رشم الصليب نافع و مفيد، و أيضا موافق لتعليم الكتاب المقدس.
فأيهما يوصف بالوثنية من يقبل حجرا، لا يعتقد له تأثيرا لا نفعا و لا ضرا؟ أم من يقبل حجرا يعتقد له قدرات و بركات و نفع و فوائد؟
ألا يدري الكاتب الجاهل أن تحريم الصور و الأصنام انتقل إلى المسيحية من بركات الإسلام و احتاج إلى مجمع مسكوني و العديد من الحروب الدينية بين مؤيدي و رافضي الأيقونات فيما عرف بحروب الأيقونات؟
موسوعة علم اللاهوت ص421: محاربة الأيقونات: ظلت الأيقونات المقدسة و المدشنة تلقى احترام المؤمنين حتى القرن الثامن، حيث تولى الإمبراطور لاون سنة716 فقام بحملة عشواء ضد الأيقونات، زاعما أنها عبادة أوثان، و ذلك بتأثير غير مسيحي !!
و هذا التأثير غير المسيحي يبينه المؤرخ البريطاني أندرو ملر ص212بقوله: محاولات ليو لمنع عبادة الصور(حوالي726م): كان الإمبراطور ليو الثالث الشجاعة الكافية، فأخذ على عاتقه تطهير الكنيسة من أصنامها الممقوتة، مقابلا المشقات الكثيرة في هذا السبيل. و يصمت التاريخ عن ذكر البواعث التي حركت الإمبراطور لذلك العمل، و لكننا نعتقد أن ظهور الإسلام و نجاحه، و اعتقاده بالتوحيد، قد أثر على الإمبراطور تأثيرا كبيرا، فضلا عن ذلك كان الاعتقاد سائدا عند المسيحيين في الشرق أن غزوات الإسلام كانت تأديبا من الله على ازدياد الوثنية في الكنيسة، و كان المسيحيون كثيرا ما يسمعون تعييرا من اليهود و المسلمين بأنهم يعبدون الأصنام. و نتيجة لهذه الظروف قامت المنازعة العظيمة.
موسوعة علم اللاهوت ص421: و بلغ الأمر بالمضطهدين للمؤمنين أنهم كانوا يكسرون الأيقونات على رأس من يقتنيها في بيته. و بعد موته اجتمع نواب سائر بطاركة العالم، و حرموا محاربي الأيقونات- في مجمعين سنة869، 879- و قرروا أن يقدم لها الاحترام و التقبيل، لا العبادة الدينية، كما يقدم لها البخور و تضاء أمامها الشموع و القناديل.
و كم تستطيع الكنيسة بوسائلها اللولبية الحلزونية أن تبرر كل شيء، فالصور والتماثيل تشبه الوسائل التعليمية التي يستخدمها مدرس الابتدائي و الإعدادي في تقريب الدرس لتلاميذه !!
موسوعة علم اللاهوت ص420: فالمناظر المحسوسة تعين النفس على إدراك الحقائق الروحية (اتخاذ الرسوم و الصور والخرائط وسائل إيضاح في التعليم).
و السجود لأصنام يسوع و القديسين الغرض منه التذكار و التقوى، كما أنه لا يشبه سجود الأمم لأصنامها، لأن أصنام الأمم كانت لشخصيات وهمية أما المسيحيون فيسجدون لأشخاص حقيقية !!
مختصر تاريخ الكنيسة ص213: يبتدئ الباب بالدفاع عن عبادة التماثيل بالوسائل المعتادة، فيجتهد أن يثبت الفرق بين التماثيل المسيحية و الأصنام الأثرية، فيقول إن الثانية كانت تمثيلا خياليا لأرواح شريرة، أما الأولى فإنها صور حقيقية للمسيح و والدته و قديسيه، ثم يبرر عبادة هذه التماثيل استنادا إلى زخارف الهيكل اليهودي و التابوت و الكروبيم و الزينات المختلفة التي صنعها بصلئيل لمجد الله، قائلا إن الشريعة اليهودية لم تكن تحرم إلا أصنام الأمم، ثم ينكر عبادة الكاثوليك للخشب و الحجر، و يقول إن هذه إنما هي تذكارات الغرض منها إنهاض المشاعر الدينية التقوية.
و في النهاية يصل الأمر إلى اتهام من لا يسجدون لهذه الأصنام بالكفر، أي أن المسيحي ليس حرا في السجود أو عدمه، بل صار السجود المحرم واجبا. و عجبي !!
مختصر تاريخ الكنيسة ص216: و لم يكتف المجمع بذلك القرار المكتوب. و لكنهم قالوا معا بصوت واحد:” نحن جميعا نؤمن، نحن جميعا نقرو نعترف: أن هذا هو إيمان الرسل، هذا هو إيمان الكنيسة، هذا هو إيمان العالم أجمع، نحن الذين نعبد الثالوث الأقدس، نسجد للتماثيل، و من لا يفعل ذلك فليكن أناثيما. أناثيما على كل من يسمي التماثيل أوثانا. أناثيما على كل من يخالط الذين لا يسجدون للتماثيل”
مختصر تاريخ الكنيسة ص216: أقر المجمع المسكوني السابع عبادة الأصنام رسميا.
و صار كل من الفريقين من يسجدون للصور و التماثيل و من يرفضون هذا السجود يكفر الآخر.
مختصر تاريخ الكنيسة ص213: إنك تتهم الكاثوليك بالعبادة الوثنية، و بهذا تبرهن على كفرك و جهلك.
و بعد. فأين هذا الكاتب الأحمق الجاهل من هذه الحقائق الاعتقادية و العبادية و التاريخية في المسيحية و الكتاب المقدس؟
حياة الصلاة الأرثوذكسية ص549: و كل ما اهتمت به الدسقولية (تعاليم الرسل) المعتبرة وثيقة النظام و الترتيب الرسولي للعبادة داخل الكنيسة، هو في الواقع امتداد لهذه الحقيقة السامية: أن الله ساكن في بيته.
- فتقبيل أبواب الكنيسة، في الدخول إليها و الانصراف منها. – و السجود على عتبة الكنيسة. – ثم السجود أمام الهيكل و تقبيل تراب الأرض. – ثم تقبيل يد الكاهن، و طلب بركته. – ثم تقبيل ستر الهيكل ثم الأيقونة المقدسة، ثم ذخائر القديسين إن كانت موجودة. – ثم الوقوف بصمت كامل و ورع مطلق.
هذا كله و إن بدا لبعض الناس أنه ممارسات عتيقة و عبادة نافلة، إلا أنه في الحقيقة ميراث روحي ثمين جدا بالنسبة للنفوس التي آمنت أن الله يسكن في بيته و أنه لبيته ينبغي التقديس كل الأيام.
مختصر تاريخ الكنيسة ص296: فهل هناك سخافة أو ضعف بشري أو قوة شيطانية تبلغ في مداها أبعد من هذا الحد؟ و بماذا يمكن أن نعلل هذا الأمر؟ أناس متعلمون، و في أحيان كثيرة حكماء و أتقياء، يجثون في تعبد عميق أمام قطعة من خشب التالف، مع رمح مكسور، و خرقة ملونة! حقا إن هذا لا يمكن تعليله إلا بالعمى الروحي الذي يصيب الناس على مبدأ التأديب و القضاء الإلهي. إنها ظلمة حالكة قد خيمت على الناس من قسوس و علمانيين لأجيال عديدة بسبب إصرارهم على إخفاء كلمة الله و إطفاء نور الروح القدس.
و ننتقل الآن إلى أحمق آخر و لكنه يمتاز عن سابقه بالخبرة و الموهبة العظيمة في الكذب و التدليس، ألا و هو الكذاب الشهير زكريا بطرس، الذي حاول إثبات الشبه بين الحج الإسلامي و الوثنية عندما قرأ من دائرة المعارف الإسلامية:
و الطواف في الشعائر الدينية هو الدوران حول شيء مقدس، مثل حجر أو مذبح أو نحو ذلك. ………….. و كان له شأن عظيم في الشعائر الدينية عند العرب القدماء.
و عندما رجعنا إلى دائرة المعارف التي يقرأ منها- مع أنها مصدر غير إسلامي- وجدناه حذف بتدليس ما يدل على عكس هدفه تماما، إذ يقول النص:
دائرة المعارف الإسلامية مقال المستشرق فريدريك بول “طواف”ج22ص6960: و الطواف في الشعائر الدينية هو الدوران حول شيء مقدس، مثل حجر أو مذبح أو نحو ذلك. و قد بقيت آثارمن هذه الشعيرة عند بني إسرائيل (انظر سفر المزامير الإصحاح26فقرة6، الإصحاح27فقرة6، الإصحاح70) كما تدل على ذلك احتفالات عيد الهيكل سليمان في عهد الهيكل الثاني، حيث كان يطاف حول المعبد مرة في كل يوم من الأيام الستة الأولى، و سبع مرات في اليوم السابع. على أن الطواف كان أيضا موجودا عند الفرس والهنود و البوذيين و الرومان و غيرهم. و لذلك فهو يرجع إلى عصور قديمة جدا. و كان له شأن عظيم في الشعائر الدينية عند العرب القدماء.اهـ
أما و قد تبين لنا تدليس و كذب هذا المفتري الأفاق، نبدا في الرد عليه لنثبت أن الحج الإسلامي دليل من أعظم الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم.
و قبل أن نبدأ الرد نعلن حقيقتين: الأولى أن هذا الزكريا عار على أي دين أو مذهب ينتمي إليه، فهو يسيء بخلقه الذميم القبيح إلى أية طائفة بشرية ينتمي إليها. و الثانية أن كذب زكريا وحده، و إن لم نجد الرد المناسب عليه، هو دليل على ضعف دينه و سفاهة حجته، كما أنه دليل على قوة و عظمة دين الإسلام، و سلامة حجته و نصاعة برهانه، ذلك أن المجرم لا يلجأ إلى تزوير مستند باطل إلا إذا علم فساد مستنداته الصحيحة و أنها لن تغني عنه شيئا، و أن مستندات خصمه قوية، و أن حكم المحكمة سوف يكون لا محالة ضده و لصالح خصمه، لذلك يلجأ للتزوير و الكذب و التدليس و شهود الزور، و ما إلى ذلك من وسائل المجرمين المزورين.
و سوف يكون ردنا عليه من مصدرين لا ثالث لهما، الكتاب الذي يزعم أنه يقدسه، و المرجع الذي يزعم أنه رجع إليه و هو دائرة المعارف الإسلامية، و لا يعني اقتباسنا من دائرة المعارف الإسلامية موافقة على ما ورد بها، بل استدلالا لمن يعتبرونها دليلا فالفضل ما شهدت به الأعداء، و قد امتلأت في الحديث عن الحج بالعديد من الأخطاء بدافع الجهل أو التحامل و الكيد، و قد أحسن العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله ختام نقده بقوله ج11ص3481: و نختم نقدنا لحضرة الكاتب بمؤاخذته لأنه اعتمد في دراسته على المصادر الإفرنجية، و قد كان الأجدر به أن يعنى أكثر بالمصادر الإسلامية. لأن الموضوع الذي تناوله لا يمت إلى الفرنج بأي سبب، و إنما هو موضوع إسلامي بحت. فمن ثم جانبه الإنصاف و وقع في أخطاء كان من الممكن أن يتجنبها لو أنصف العلم و الحق.
و بينما يحاول الناقد الكذاب إثبات صلة الحج الإسلامي بالوثنية تحدثنا دائرة المعارف الإسلامية عن صلة الحج الإسلامي بتراث الأنبياء السابقين. حيث تبين أوجه الشبه بين مناسك الحج الإسلامي و بعض مناسك وردت في الكتاب المقدس:
دائرة المعارف الإسلامية مقال المستشرق فنسنك “الحج”ج11ص3466: و لم يك هذا الحج إلى عرفات أمرا اختص به العرب، فالحج إلى معبد من المعابد عادة سامية قديمة جعلت حتى في الأجزاء القديمة من أسفار موسى الخمسة فرضا يجب أداؤه، فقد ورد في سفر الخروج، الإصحاح الثالث و العشرين الآية الرابعة عشرة:” ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ” و في الآية الثالثة و العشرين من الإصحاح الرابع و الثلاثين” ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ”.
و نذكر النصوص التي يشيرون إليها:
خروج 23: 14«ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ. 15تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ. تَأْكُلُ فَطِيرًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّهُ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ.
خروج 23 : 17ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ.
خروج 34: 23ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 24فَإِنِّي أَطْرُدُ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ وَأُوَسِّعُ تُخُومَكَ، وَلاَ يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ.
ج11ص3466: فإذا كان الحج وقع أصلا في الخريف، فمن الطبيعي عند البحث في معناه الأصيل أن نوازن بينه و بين عيد الخريف عند ساميي الشمال، و هو عيد المظال (أو يوم الاستغفار)، و هو أمر نجد له ما يؤيده أيضا من أن عيد المظال في التوراة غالبا ما يطلق عليه للإيجاز اسم “حج” (انظر سفر القضاة الإصحاح21 الآية19، سفر الملوك الأولى الإصحاح الثامن الآية2، 65) و سنجد بينهما في الواقع بعض سمات متشابهة.
القضاة 21: 19ثُمَّ قَالُوا: «هُوَذَا عِيدُ الرَّبِّ فِي شِيلُوهَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ شِمَالِيَّ بَيْتِ إِيلَ، شَرْقِيَّ الطَّرِيقِ الصَّاعِدَةِ مِنْ بَيْتِ إِيلَ إِلَى شَكِيمَ وَجَنُوبِيَّ لَبُونَةَ».
اليسوعية: 19 ثم قالوا قد حان عيد الرب السنوي في شيلو
الملوك الأول 8: 2فَاجْتَمَعَ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعِيدِ فِي شَهْرِ أَيْثَانِيمَ، هُوَ الشَّهْرُ السَّابعُ.
اليسوعية ص643: إيتانيم شهر من التقويم الكنعاني، يوافق الشهر السابع من التقويم الإسرائيلي اللاحق.
الملوك الأول 8: 65وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ، أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
ج11ص3467: و قد وازن هوتسما بين الوقوف و بين إقامة بني إسرائيل على جبل سيناء. فهؤلاء يعدون أنفسهم لهذه الإقامة بالامتناع عن النساء (سفر الخروج الإصحاح19 الآية15) و بغسل ثيابهم (سفر الخروج الإصحاح19 الآية10، 14) و بذلك يقفون أمام الرب (11، 15)
خروج 19: 10فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اذْهَبْ إِلَى الشَّعْبِ وَ قَدِّسْهُمُ الْيَوْمَ وَ غَدًا، وَ لْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ.
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم ج2ص147: طلب الله من موسى أن يعد الشعب لرؤيته، و ذلك بالطهارة الجسدية أي غسل أجسامهم اليوم ثم اليوم التالي له، رمزا للطهارة الداخلية، و غسل الثياب لنفس الغرض، و كذلك يتعففوا عن العلاقات الجسدية بين الزوجين، فتقديسهم أي تخصيصهم لله و عبادته، فهم يستعدون لمقابلة الله. و هذا يحدث أيضا في العهد الجديد عندما يتعفف الزوجان عن العلاقات الجسدية قبل التناول.
خروج 19: 11وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ. لأَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَنْزِلُ الرَّبُّ أَمَامَ عُِيُونِ جَمِيعِ الشَّعْبِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ.
خروج 19: 14فَانْحَدَرَ مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الشَّعْبِ، وَقَدَّسَ الشَّعْبَ وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. 15وَقَالَ لِلشَّعْبِ: «كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ. لاَ تَقْرُبُوا امْرَأَةً».
خروج 19: 17وَأَخْرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ اللهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ.
خروج 34: 2وَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلصَّبَاحِ. وَاصْعَدْ فِي الصَّبَاحِ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَقِفْ عِنْدِي هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ.
أيهما أشبه بالوثنية؟
أيهما أشبه بالوثنية بحسب نظرة دائرة المعارف الإسلامية، هل هو الإسلام أم الكتاب المقدس؟ ذكرت الدائرة تحت عنوان الحج في الجاهلية من ص 3465 إلى ص 3470 الكثير من أوجه التشابه مع الطقوس اليهودية و الشواهد من الكتاب المقدس، و كثير منها لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد:
ج11ص3456: و قد أخذ محمد[صلى الله عليه و سلم] بالسنة القمرية من غير قيد و لا شرط، و من ثم فإن الحج يحين وقته في جميع فصول السنة، ذلك أنه قد حددت له أيام بذاتها في النصف الأول من ذي الحجة.
النسخة اليسوعية ص192: في تقاليد التوراة الأربعة رزنامة (تقويم) للأعياد الدينية الكبرى: خر23: 14- 17 إيلوهي، و خر34: 18- 23 يهوي، و تث16: 1- 16 تثنية الاشتراع، و لا 23كهنوتي، توافقها قواعد الليترجية الواردة في عد18- 29. تتوضح الرتب من نص إلى نص، لكن الأعياد الرئيسية الثلاثة تبقى كما يفرضها خر23: أولا، في الربيع، عيد الفطير- ثانيا، عيد الحصاد، الذي يقال له عيد الأسابيع في خر34: 22، و كان يحتفل به بعد مرور سبعة أسابيع تث16: 9 أو خمسين يوما لا23: 16 على الفصح، و كان بمنزلة خاتمة لحصاد القمح، و قد ربطوا به في وقت لاحق ذكرى إصدار الشريعة في سيناء- ثالثا، عيد قطف الثمار في الخريف، في ختام موسم الثمار، و كان يسمى عيد الأكواخ تث16: 13 و لا23: 34 لأن الناس كانوا يستعملون فيها أكواخ ورق الشجر كالتي ينصبونها في بساتين الفواكه أيام الحصاد، و كانت تذكر بمخيمات إسرائيل في البرية لا23: 43.
ج11ص3467: اقترنت الأسواق العظيمة التي تقام في ختام موسم جني البلح بالحج.
و لا يشك عاقل في عدم وجود أي علاقة بين الحج في الإسلام و مواسم حصاد أي محصول، لأن الحج الإسلامي يدور مع فصول السنة. بينما يشترك الحج الوثني و الكتابي في أنهما احتفال بجني المحاصيل الزراعية.
كما يشير المستشرق فنسنك إلى تخلص الإسلام من كل ما يشير إلى طقوس وثنية، فقال ج11ص3468: و كانت الإفاضة إلى منى في الجاهلية تبدأ بمجرد ظهور الشمس، و لذلك أمر النبي[صلى الله عليه و سلم] بأن تبدأ الإفاضة قبل شروق الشمس، و نحن هنا أيضا بصدد محاولة لإبطال شعيرة شمسية.
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية تحت عنوان الحج في الجاهلية قال المستشرق فنسنك ج11ص3469: فليس من العسير أن نرى في إطلاق التيس إلى عزازيل من الجبل مثالا لشيطان الشمس. كما أن سكب ماء عين شيلوه المقدسة كانت أيضا تعويذة للاستسقاء. ذلك أن الارتباط بين عيد المظال و المطر مؤكد في سفر زكريا (الإصحاح الرابع عشر الآية17)
زكريا14: 16وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ. 17وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ.
و لا يمكن أن يدعي أجهل الناس أن الاقتباس يتحدث عن الحج في الإسلام لما يأتي:
1- النص الذي يتحدث عن شيطان الشمس عزازيل و تقدمته الوثنية لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، بل هو في أحد أسفار الكتاب المقدس. اللاويين 16: 6وَيُقَرِّبُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ. 7وَيَأْخُذُ التَّيْسَيْنِ وَيُوقِفُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 8وَيُلْقِي هَارُونُ عَلَى التَّيْسَيْنِ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةً لِلرَّبِّ وَقُرْعَةً لِعَزَازِيلَ. 9وَيُقَرِّبُ هَارُونُ التَّيْسَ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِلرَّبِّ وَيَعْمَلُهُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 10وَأَمَّا التَّيْسُ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِعَزَازِيلَ فَيُوقَفُ حَيًّا أَمَامَ الرَّبِّ، لِيُكَفِّرَ عَنْهُ لِيُرْسِلَهُ إِلَى عَزَازِيلَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ.
فمن الواضح أن صلة طقس عزازيل الوثني هي بالكتاب المقدس لا بالإسلام كما يدعي زكريا بطرس عندما قرأ من دائرة المعارف الإسلامية.
2- عيد المظال و سفر زكريا لهما علاقة بالعهد القديم و ليس بالقرآن الكريم كما لا يخفى.
3- شيلوه التي ذكر اسمها في النص ليست تعبيرا إسلاميا، حتى و إن كنا نظن أنها بشارة عن نبينا صلى الله عليه و سلم.
قاموس أعلام الكتاب المقدس ص123: شيلوه أي الذي يأتي بالسلام، الذي يأتي بالاطمئنان. مدينة في سبط أفرايم.
دائرة المعارف الكتابية: “شيلو” أو “شيلوه” كلمة عبرية معناها “موضع الراحة” . و هي مدينة في نصيب سبط أفرايم ، تقع شمالي بيت إيل شرقي الطريق الصاعدة من بيت إيل إلي شكيم ، و جنوبي لبونة” (قض 21 : 19) . و عليه ، كانت “شيلوه” تبعد نحو عشرين ميلاً إلي الشمال من أورشليم ، وإلي الشرق قليلاً منها . و كانت خيمة الشهادة و تابوت العهد في شيلوه في أيام يشوع إلي زمن صموئيل . فكانت هي مركز عبادة إسرائيل . و موقعها الآن هو “خرابة سيلون”
و لا يمكن أن نعرف هذه الطقوس الجاهلية الوثنية- التي ذكرها اقتباسنا من دائرة المعارف الإسلامية- دون أن نتعرف على شيطان الشمس عزازيل و قربانه.
و هذا التفسير لعزازيل أنه شيطان الشمس يشير إلى الأصل الوثني لهذا القربان، كما اتفقت كل التفاسير:
معجم الكلمات الصعبة للعهد القديم ص26: عزازيل اسم عبري معناه عزل أو إبعاد و يشير إلى:1- التيس الذي يطلق في البرية. 2- مكان صحراوي يطلق فيه التيس. 3- الشيطان أو أحد الآلهة. 4- كلمة تطلق على العزل للخطية.
دائرة المعارف الكتابية: وثمة أربع محاولات لتفسير كلمة ” عزازيل ” : ( 1 ) أنه اسم مكان في البرية كان يرسل إليه التيس الثاني، و لكن حيث أن بني اسرائيل كانوا في ترحال مستمر، و لم يكن لهم مقر ثابت، فمن غير المعقول تحديد اسم مكان ثابت ليُرسل إليه التيس من مختلف مواقعهم في البرية. ( 2 ) أن عزازيل اسم لكائن سواء الشيطان أو أحد الأرواح الشريرة، و لكن لا يذكر هذا الاسم في أي مكان آخر من الكتاب المقدس، و هو أمر مستغرب لو أنه كان اسم كائن مهم حتى يتقاسم ذبيحة الخطية مع الرب، علاوة على أن الشريعة تنهي نهياً قاطعاً عن عبادة الأرواح الشريرة ( لا 17 : 7 ). ( 3 ) أن عزازيل اسم يعني الإبعاد أو الإزالة التامة، على أساس أن الكلمة ” عزازيل ” مشتقة من كلمة سامية بمعنى ” عزل ” أو ” أبعد ” ( انظر مزمور 103 : 12كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا. ) ( 4 ) جاء في ” رسالة برنابا ” الأبوكريفية ( ارجع إليها في موضعها من المجلد الثاني من ” دائرة المعارف الكتابية ” ) أن تيس عزازيل كان يرمز إلى الرب يسوع الذي حمل الخطايا.اهـ
و لا ندري هل يقصد صاحب هذا التفسير الأخير أن سفر اللاويين كان يأمر اليهود أن يقدموا قربانا للمسيح دون أن يخبرهم و دون أن يعرفوا المسيح بل قبل أن يولد ب 1300 سنة، و بدلا من أن يتأكد تقديم هذا القربان بمجيء المسيح انقطع تقديم القربان. أم أن المفسر العبقري يقصد أن المسيح نفسه هو التيس عزازيل و العياذ بالله من هذا الكفر الشنيع.
قاموس الكتاب المقدس: عَزَازِيلَ: اسم عبري معناه “عزل” و قد ورد اللفظ في مكان واحد فقط، في (لا16: 8 و10 و26). و هناك عدة تفسيرات:
1- التيس الذي كان اليهود يطلقونه في البرية لعزله و فصله عن الناس (بحسب الترجمة اللاتينية الفلجاتا).
2- كلمة مطلقة: على العزل للخطيئة أو الفصل (بحسب الترجمة اليونانية السبعينية).
3- البرية أو المكان الصحراوي النائي الذي كان التيس يعزل فيه (بحسب بعض المفسرين اليهود).
4- الشيطان أو الجن في الصحاري و البراري أو ملاك ساقط (بحسب سفر أخنوخ و معظم المفسرين الحديثين).
و على أية حال كان العمل بالتيس المطلق رمز إلى عزل الخطيئة و ابتعادها عن البشر و إطلاقها. أما التيس المذبوح فكان كفارة عن أخطاء البشر. أما التيس المطلق إلى البرية فكان الكاهن يضع يده على رأسه و يعترف بخطايا إسرائيل ثم يرسله مع إنسان إلى البرية. و لا يعود الإنسان إلى المحلة إلا بعد أن يغتسل و يغسل ثيابه (لا16: 21 و إش53).
اليسوعية ص257: يبدو أن عزازيل بحسب الترجمة السريانية هو اسم شيطان كان العبرانيون و الكنعانيون القدامى يعتقدون أنه يسكن البرية. و البرية أرض عقيمة لا يمارس الله فيها عمله المخصب.
اليسوعية ص257: لاحظ أن الحيوان لا يضحى به لعزازيل، بل يذهب بخطايا الشعب إلى البرية، مسكن الشيطان، يتم نقل الخطايا و التكفير أمام الرب بواسطة الكاهن. و بهذا تبنت العبادة اليهوية هذه العادة الشعبية القديمة، بعد أن قامت بتطهيرها.
و لا ندري كيف يجرؤ المفسر العبقري على مطالبتنا بملاحظة شيء يخالف ما نلاحظه فعلا، فهو يقول: لاحظ أن الحيوان لا يضحى به لعزازيل. بينما النص الذي يقدسه يصرخ أن الحيوان المسكين يضحى به لعزازيل؟!
اللاويين 16: 8وَيُلْقِي هَارُونُ عَلَى التَّيْسَيْنِ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةً لِلرَّبِّ وَقُرْعَةً لِعَزَازِيلَ ……. 10وَأَمَّا التَّيْسُ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِعَزَازِيلَ فَيُوقَفُ حَيًّا أَمَامَ الرَّبِّ، لِيُكَفِّرَ عَنْهُ لِيُرْسِلَهُ إِلَى عَزَازِيلَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ……. 26وَالَّذِي أَطْلَقَ التَّيْسَ إِلَى عَزَازِيلَ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ.
و نحن نصدقه أن اليهود تبنوا هذه العادة الشعبية من بيئة وثنية و ألصقوها في كتابهم المقدس، بينما لا نصدقه أنهم طهروها إذ لم نستطع أن نرى فيها أي تطهير.
كيفية تنفيذ طقس عزازيل:
موسوعة علم اللاهوت ص315: يلقي رئيس الكهنة قرعة على التيسين، بلوحين من الذهب، مكتوب على أحدهما:” للرب” و على الآخر:” لعزازيل” (= الشيطان المعزول أو عزة الله أو التيس المرسل للبرية أو حامل خطايا غيره، و هو الأرجح).
موسوعة علم اللاهوت ص315: يقود كاهن التيس إلى صخرة تدعى ( زُك Zok) تبعد اثني عشر ميلا عن أورشليم و يلقى منها التيس لأسفل، أو يترك حيا.
و لا نقول إن هذه التعاليم الوثنية علمها أنبياء الله الكرام صلوات الله و سلامه عليهم جميعا، بل أدخلت إلى الكتاب بيد التحريف، و سوف نذكر إشارات بسيطة إلى التحريف باعتباره موضوعا ثانويا ليس من صلب بحثنا هذا:
اليسوعية ص183: الأرجح أن القسم الثاني من الآية ناقص أو مشوه.
اليسوعية ص183: تدبير يفترض أن هناك شعبا كثير العدد و محضرا، و ينسب إلى موسى لا مركزية في السلطة القضائية و هي أمر لاحق تم بعد زمن طويل.
اليسوعية ص186: جملة ناقصة، فقد انقطعت الرواية بإدخال الوصايا العشر.
اليسوعية ص193: في هذا المقطع الخليط أدلة واضحة على أنه كتب في زمن تثنية الاشتراع. و هو بمنزلة خاتمة لكتاب العهد المعروض هنا كشريعة أعطيت في سيناء تمهيدا لإقامة في كنعان.
و قد جاء الإسلام مثبتا للحق مبطلا للباطل مهيمنا على ما سبقه من الكتب.
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لَا سَائِبَةٍ وَ لَا وَصِيلَةٍ وَ لَا حَامٍ وَ لَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103المائدة)
وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَ مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136الأنعام)
و سوف نسأل أي عاقل: أيهما تقبل أن تعتقد: هذا النص الذي يزعم أن إلهك يأمر بتقديم قربان لغير الله؟ أم النص الذي يؤكد أن إلهك لا يمكن أن يأمر بهذا الكفر و الوثنية؟
الحج دليل قاطع على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم:
و الآن يحلو لنا أن نثبت من الكتاب المقدس الأدلة على صدق نبوة محمد محمد صلى الله عليه و سلم، لا لنتحدث عن كل البشارات به، بل البشارات المتعلقة بمكة المكرمة و كعبتها المشرفة و شعيرة الحج.
و مغزى اعتبار الحج دليلا من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه و سلم أن نقول:
1- الحج و الطواف شعيرة من شعائر كل الأنبياء السابقين قبل محمد صلى الله عليه و سلم، ابتداء من إبراهيم و موسى و داود و سليمان و غيرهم، و قد جاء النبي صلى الله عليه و سلم ليستكمل مسيرة هؤلاء الأنبياء، لا أن يلغي دينهم و يخترع دينا جديدا غريبا عما كانوا عليه من الحق و الهدى، و قد أمره ربه سبحانه باتباع هدي الأنبياء السابقين فقال عز من قائل: أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (90 الأنعام)
حقيقة الحج ص40: الحج إعادة للتاريخ الإبراهيمي. فالحاج يقلد بصورة رمزية مختلف مراحل الرسالة العالمية التي نفذت بواسطة إبراهيم عليه السلام، معاهدا ربه بأنه سيسخر نفسه للرسالة الإلهية التي سخر إبراهيم نفسه من أجلها، و أنه سيظل يقوم بالعمل الدعوي الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء.
2- كون النبي صلى الله عليه و سلم يستطيع أن يفرق بين ما هو من دين هؤلاء الأنبياء و من الحق الذي جاءوا به، و بين ما أدخل على هذا الدين من الباطل و التحريف، لهو من أبلغ الأدلة على أنه لم يتعلم ذلك إلا بالوحي الإلهي، فمهما كان الإنسان عبقريا سديد الرأي لا يمكنه الإبقاء على كل خير و نبذ كل شر دون أن يخفى عليه شيء من ذلك. و لا شك أن كبار المصلحين قبل و بعد النبي صلى الله عليه و سلم لم يستطيعوا القيام بما قام به. فنراه يزدري شريعة المحرقة و تقدمة عزازيل.
3- يقول بعض المستشرقين إن النبي تعلم و اقتبس من كتابهم المقدس، و نحن نعتبر هذا الهراء دليل غباء شديد و غفلة أطبقت على عقولهم حتى لم يستطيعوا التمييز بين ما يقال، و ما ينبغي أن يكتمه الإنسان خشية أن يصير أضحوكة الصبيان. فإذا اقتبس النبي من كتابكم فكيف استطاع أن ينتقي الخير و ينفي الشر إلا بتوفيق من الله سبحانه؟ و كيف استطاع أن يترك الخرافات و الأخطاء العلمية التي لم يثبت خطؤها إلا بعد قرون؟ و إذا كان كتابكم هو سبب هذه النهضة العظيمة فلماذا لم يساعدكم على العديد و العديد من مثل هذه النهضات؟ و لا شك أن العديد من المصلحين جعلوا عمدة إصلاحهم الكتاب المقدس، فلماذا فشلوا حيث نجح محمد؟ لا تخدعوا أنفسكم و لا تدفنوا عقولكم في الطين و الوحل.
يقول الأستاذ العقاد رحمه الله في كتابه مطلع النور، موسوعة العقاد الإسلامية ج1ص751: أمحمد وحده يقدر على ذلك؟ أمحمد يقدر عليه بعناية الله؟ ثم يجيب بقوله: و لولا تدبير من الله لما ادخرت جزيرة العرب لهذه الرسالة ……. و هي رسالة النبوة و عناية الله. يقول المؤرخ الأمريكي ول ديورانت ج13ص47: و إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ.
بقيت نقطتان من أدلة نبوة سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم نذكرهما في السياق المناسب.
أولا: الطواف
دائرة المعارف الإسلامية مقال المستشرق فريدريك بول “طواف”ج22ص6960: و الطواف في الشعائر الدينية هو الدوران حول شيء مقدس، مثل حجر أو مذبح أو نحو ذلك. و قد بقيت آثارمن هذه الشعيرة عند بني إسرائيل (انظر سفر المزامير الإصحاح26فقرة6، الإصحاح27فقرة6، الإصحاح70) كما تدل على ذلك احتفالات عيد الهيكل سليمان في عهد الهيكل الثاني، حيث كان يطاف حول المعبد مرة في كل يوم من الأيام الستة الأولى، و سبع مرات في اليوم السابع. على أن الطواف كان أيضا موجودا عند الفرس والهنود و البوذيين و الرومان و غيرهم. و لذلك فهو يرجع إلى عصور قديمة جدا. و كان له شأن عظيم في الشعائر الدينية عند العرب القدماء.اهـ
ج22ص6961: و في مكة كان يطاف حول الكعبة التي فيها الحجر الأسود الذي كان مقدسا منذ قديم الزمان (و هذا ما يسمى طواف البيت). و قد أخذ محمد[صلى الله عليه وسلم] بهذه العادة القديمة لما وضع شعائر دينه و جعل الكعبة مركز هذه الشعائر.
ج22ص6961: فيروي ابن هشام و الطبري أنه لما دخل الرسول[صلى الله عليه وسلم] مكة منتصرا في العام الثامن للهجرة طاف بالبيت و هو راكب ناقته، و استلم بمحجنه الركن (الركن الشرقي من الكعبة حيث يوجد الحجر الأسود). على أن ذلك كان أمرا استثنائيا، و بحسب ما يؤخذ من رواية ابن هشام لم يضع الرسول [صلى الله عليه وسلم] القواعد التي لا بد من العمل بها إلا قبل وفاته بفترة قصيرة. و ذلك في حجة الوداع. على أنه يمكن القول- على وجه اليقين- أنه كان يراعي في ذلك شعائر قديمة مأثورة ترجع إلى إبراهيم [عليه السلام]. انظر ابن هشام ص51. بحيث نستطيع أن نستنتج من ممارسة المسلمين لهذه الشعيرة ما كانت عليه عادة الوثنيين.
و يظن الجاهل زكريا أن مقصد المستشرق أن الإسلام أخذ شعائره عن الوثنية، مع أن قصد المستشرق واضح جدا من قوله:
ج22ص6961: على أنه يمكن القول- على وجه اليقين- أنه كان يراعي في ذلك شعائر قديمة مأثورة ترجع إلى إبراهيم [عليه السلام].
أما قوله: ج22ص6961: نستطيع أن نستنتج من ممارسة المسلمين لهذه الشعيرة ما كانت عليه عادة الوثنيين.
فقصده كما هو واضح أن الوثنيين ظلوا على بعض الشرائع التي ورثوها عن إبراهيم عليه الصلاة و السلام، و لكنهم أضافوا إليها أشياء من الوثنية، فأعادها الإسلام إلى أصلها و طهرها من الوثنية.
ج22ص6961: و كان أحد مظاهر هذه العادة أن الطواف كان يجب أن يكون سبع مرات متعاقبات (انظر ما تقدم عن عيد الهيكل).
كل ما سبق في دائرة المعارف الإسلامية هو مما قاله المستشرق فريدريك بول، وقد علق عليه د عبد العزيز كامل بقوله ج22ص6964: فأمر الإسلام كان إعادة الشعائر إلى ما كانت عليه على عهد إبراهيم، و يوضح هذا حديث الرسول عن يزيد بن شيبان يوم عرفة:” كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم”.
و قد ورد نحو هذا القول عن المستشرق نفسه كما نقلنا.
و حتى لو لم يقصد المستشرق هذه المعاني، فلا يضيرنا، ما دمنا قد أقمنا الدليل تلو الدليل على اتصال شعائر الحج الإسلامي بأوثق الصلات مع الأنبياء السابقين، و لا يضيرنا أن يجهل مستشرق أو يطعن في دين لا يؤمن به.
و الآن دعونا ننظر في النصوص التي أشار إليها:
مزمور 26: 6أَغْسِلُ يَدَيَّ فِي النَّقَاوَةِ، فَأَطُوفُ بِمَذْبَحِكَ يَا رَبُّ، 7لأُسَمِّعَ بِصَوْتِ الْحَمْدِ، وَ أُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ. 8يَا رَبُّ، أَحْبَبْتُ مَحَلَّ بَيْتِكَ وَ مَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ.
العربية المشتركة: 6أغسل يدي فأطهر و أطوف يا رب بمذبحك. 7لأرفع صوت الحمد و أحدث بـجميع عجائبك. 8أحب بيتا تحل فيه و مقاما يسكن فيه مجدك.
اليسوعية: 6 بالطهارة أغسل يدي و بمذبحك أطوف يا رب 7 لأُسمِع صوت الحمد و أحدث بجميع عجائبك 8 أحببت يا رب جمال بيتك و مقام سكني مجدك.
4- النص السابق يظهر بوضوح أحد دلائل نبوة محمد صلى الله عليه و سلم، حيث أبقى على شعائر الأنبياء و احترمها، حتى مع نبذ و احتقار أصحابها لها، ففي النص السابق من الشعائر التي التزمتها أمة الإسلام: الطهارة قبل العبادة، و الطواف، و الهتاف و التلبية، و محبة بيت الله و تعظيمة.
مزمور 27: 6وَ الآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِي حَوْلِي، فَأَذْبَحُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ الْهُتَافِ. أُغَنِّي وَ أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ.
العربية المشتركة: 6و الآن يرتفع رأسي فوق أعدائي حولي، و أذبح في هيكل الرب ذبائح هتاف له، و أنشد و أرتل لاسمه.
اليسوعية: 6 فحينئذ يعلو رأسي فوق أعدائي من حولي و ذبائح هتاف أذبح في خيمته أعزف للرب و أنشد.
ثم بحثنا في الموضع الثالث الذي ذكره و هو المزمور السبعون فلم نجد فيه أي ذكر للطواف، فربما كانت خطأ مطبعي و المقصود المزمور 48 و فيه:
مزمور 48: 12طُوفُوا بِصِهْيَوْنَ، وَ دُورُوا حَوْلَهَا. عُدُّوا أَبْرَاجَهَا. 13ضَعُوا قُلُوبَكُمْ عَلَى مَتَارِسِهَا. تَأَمَّلُوا قُصُورَهَا لِكَيْ تُحَدِّثُوا بِهَا جِيلاً آخَرَ.
العربية المشتركة: 13طوفوا بصهيون و دوروا حولها، و عدوا الأبراج التي فيها. 14تطلعوا بقلوبكم إلى حصونها و تمعنوا جيدا في قلاعها لتخبروا الجيل الآتي.
اليسوعية: 13 طوفوا بصهيون و دوروا حولها و أحصوا بروجها 14 علقوا قلوبكم بأسوارها و تأملوا في قصورها.
أما نسخة الحياة فقد حذفت كل ما يشير إلى الطواف، و كأنه عورة أرادوا إخفاءها و التخلص منها، و من العجيب أنهم يسمونها ترجمة تفسيرية، و لأول مرة يسمى التحريف تفسيرا !!
26: 6 أَغْسِلُ يَدَيَّ عُرْبُونَ بَرَاءَتِي وَ أَنْضَمُّ إِلَى الْمُجْتَمِعِينَ حَوْلَ مَذْبَحِكَ يَارَبُّ.
27: 6 حِينَئِذٍ أَفْتَخِرُ عَلَى أَعْدَائِي الْمُحِيطِينَ بِي، وَ أُقَدِّمُ لَهُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ هُتَافٍ، فَأُغَنِّي بَلْ أُرَنِّمُ حَمْداً لِلرَّبِّ.
48: 12 جُولُوا فِي صِهْيَوْنَ وَ دُورُوا حَوْلَهَا. عُدُّوا أَبْرَاجَهَا.
يقول القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه:” هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟” و هو يتحدث عن العرب قبل الإسلام ص 47: بل و كان بقيّتهم يعبدون الإله الواحد و إنْ كانوا يتّخذون من بعض الأصنام شفعاء عند الله و كانوا يلبّون قائلين ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه و ما ملك ” أو ” لبيك لا شريك لك، تملكه، أو تهلكه، فأنت حكيم فاتركه “. و يقول د. جواد على ” و التلبية هي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام، غير أنَّه غيّر صيغتها القديمة بما يتفق مع عقيدة التوحيد ” ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج6: 375و377 ). و كانوا يحجّون و يصومون و يختتنون.
5- و هذا الاقتباس يظهر لنا دليلا من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و هو إعادة هذه الشعائر إلى ما كانت عليه عند الأنبياء السابقين، رغم ترك أممهم لها، و هو أبلغ دليل على أنه ينهل من نفس النبع الإلهي المبارك.
ثانيا: مكة
مزمور 84: 5طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. 6عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللهِ فِي صِهْيَوْنَ.
دائرة المعارف الإسلامية ج11ص3457: و كان ثمة طريق محبب إلى قلوب حجاج مصر و المغرب، يبدأ من القاهرة أو إحدى المدن الأخرى الشمالية و ينتهي بمرفأ من مرافئ البحر الأحمر تجاه جدة.
نترك التعليق للمهندس فاضل سليمان.
إشعياء 35: 5حِينَئِذٍ تَتَفَقَّح (تنفتح) عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. 6حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ. 7وَيَصِيرُ السَّرَابُ أَجَمًا، وَالْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكِنِ الذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَالْبَرْدِيِّ. 8وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ. 9لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ الْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. 10وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ.
إشعياء 60: 1«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ. 4«اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَيْدِي. 5حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى الأُمَمِ. 6تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ. 7كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي.
و قيدار و نبايوت هما نسل إسماعيل كما ورد في أخبار الأيام الأول 1: 28اِبْنَا إِبْرَاهِيمَ: إِسْحَاقُ وَ إِسْمَاعِيلُ. 29هذِهِ مَوَالِيدُهُمْ. بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ: نَبَايُوتُ، وَ قِيدَارُ وَ أَدَبْئِيلُ وَ مِبْسَامُ.
و نستدل على أن الكعبة بيت الله من حفظه سبحانه و تعالى لها بطريقة معجزية عند هجوم أبرهة الأشرم النصراني عليها ليهدمها، و قد ورد في دائرة المعارف الإسلامية تحت عنوان أبرهة، يقول المستشرق بول ج1ص99 أن اكتشافات أثرية بينت أن أبرهة شن حربا ضد الفرس: و نستطيع أن نجد صلة بين هذه الحرب التي لا يمكن أن تكون قد وقعت قبل عام570م و بين تلك القصص العربية التي تعتمد على القرآن (سورة الفيل) و تشير إلى حملة أبرهة الفاشلة على مكة و الكعبة.
و لا مانع من الناحية الخططية أن يذيع القائد العسكري أنه خارج لحرب الفرس بينما هو في الحقيقة خارج لحرب مكة.
و يحلو لبعض المستشرقين تكذيب القرآن و لو أدى بهم الحمق إلى أبلغ السفه و الغباء، فهذا المستشرق لينكر الإعجاز الإلهي في حماية الكعبة يقول: و إلى جانب هذا النسيج من القصص المعتمد على القرآن، رواية ضعيفة مؤداها أن وباء الجدري كان قد انتشر في ذلك الوقت، و يمكن الافتراض بأن هذا الوباء كان سببا في تقهقر أبرهة أو على الأقل كان ذريعة له إلى العدول عن تلك الغزوة الشاقة.
و لا يزال الإعجاز باقيا، إذ كيف فرق ميكروب الجدري بين العربي فلم يصبه، بينما أصاب النصارى المعادين لبيت الله فأبادهم عن بكرة أبيهم، إلا قلة قليلة تركهم لتعود تحدث بما جرى لها ثم أبادهم أيضا؟ ما أعجب الكبر إذ يتلاعب بعقول العقلاء !!
و يستكمل المستشرق بيستون أن أبرهة كانت له ميول نسطورية، و قام بهذه الحملة مجاملة لملك الحبشة.
ثالثا: ثمار النبوة
متى21: 42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! 43لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!».
اليسوعية: 43 لذلك أقول لكم إن ملكوت الله سينزع منكم و يعطى لأمة تثمر ثمره.
الحياة: لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ سَيُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَيُسَلَّمُ إِلَى شَعْبٍ يُؤَدِّي ثَمَرَهُ.
العربية المشتركة: 43لذلك أقول لكم: سيأخذ الله ملكوته منكم ويسلمه إلى شعب يجعله يثمر.
و البابا شنودة يقول إن ملكوت الله قد يعني الإيمان و الهداية.
سنوات مع أسئلة الناس البابا شنودة الثالث ج13ص102: المقصود إذن هو ملكوت الله الذي انتشر بالإيمان و الفداء. كان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47) فينضم هؤلاء إلى مملكة الله، إلى جماعة المؤمنين.
فالمسيح عليه الصلاة و السلام يشبه النبوة بالشجرة ذات جذور و ساق و فروع و أوراق، و سوف تأتي أمة أشبه بالثمر في هذه الشجرة المباركة، و الثمر هو خلاصة الشجرة و عصارتها، و لا توجد أمة تحب كل الأنبياء و تتبع تعاليم كل الأنبياء سوى المسلمين.
فالحج من أقوى الأدلة على حب المسلمين و توقيرهم لكل الأنبياء و اتباعهم لسنة جميع الأنبياء، فقد رأينا أن حجاج بيت الله يتبعون سنة إبراهيم و موسى و داود و غيرهم من أنبياء الله الكرام صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.
و من إكرام الله سبحانه لهذه الأمة أن جمع لها زبدة و خلاصة دعوة الأنبياء في هذه الثمرة الطيبة. و نزيد الأمر توضيحا فنقول:
93 من البشارات بخاتم النبوات ص15: البشارة السادسة: الله مع إسماعيل، إشارة إلى عظم شأن نسله في التوحيد: و النتيجة (تكوين21: 20) ” و كان الله مع الغلام” هذه لم يذكرها كتابهم و لا عن أعظم الأنبياء.
فما السر في تعظيم شأن إسماعيل إلى هذا الحد؟
يجيبنا سفر التكوين 17: 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَ أُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَ أَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.
فما مغزى هذه البركة التي سمع الله سبحانه لإبراهيم عليه الصلاة و السلام؟ و ما الثمر الذي يعده الله به؟ و ما معنى أن يلد إسماعيل اثني عشر رئيسا؟
معناه أن يقسم الله سبحانه النبوة بين نسل إسحاق و أسباطه الاثني عشر، و نسل إسماعيل و أسباطه الاثني عشر، فيكون نصف الأنبياء من أسباط إسحاق و هم أنبياء الكتاب المقدس المذكورون فيه، و نصفهم من أسباط إسماعيل و هو محمد صلى الله عليه و سلم الذي جمع محامد و محاسن الجمع من الأنبياء.
يقول الله سبحانه و تعالى: وَ لَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51 الفرقان)
قال النسفي رحمه الله: أي لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى، و لبعثنا في كل قرية نبياً ينذرها، و لكن شئنا أن تجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين فقصرنا الأمر عليك و عظمناك به فتكون وحدك ككلهم.اهـ
و قد أمره ربه سبحانه باتباع هدي الأنبياء السابقين فقال عز من قائل: أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (90الأنعام)
توقيت العبادة بالهلال و القمر
و ربما كان من المناسب أن نضرب مثلا واضحا على اتباع المسلمين سنن الأنبياء، و لعل هذا هو ما لفت نظر العالم الرياضي و الفلكي الأمريكي مايكل هارت حيث جعل أحد أسباب اختياره محمدا صلى الله عليه و سلم ليكون أعظم عظماء البشرية في كل تاريخها، أثر هذا النبي العظيم في أمته و اقتفاءها أثره و اتباعها سنته، فقال في كتابه الخالدون مائة ص13: و هو قد دعا إلى الإسلام و نشره كواحد من أعظم الديانات، و أصبح قائدا سياسيا عسكريا و دينيا, و بعد 13 قرنا من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا متجددا.
و لعلي لا أبالغ إذا زعمت أن ربط العبادات الإسلامية بالقمر أحد أعظم الأدلة على توقير الأمة الإسلامية لنبيها و اتباعها له، و هذا إذا علمنا أن كل الأنبياء دعوا أممهم لربط عباداتها بالقمر، فتركت كل الأمم وصية أنبيائها، بينما ظلت أمة الإسلام “تعمل أثماره ”
دائرة المعارف الإسلامية مقال المستشرق إيتنجوازن”الهلال” ج32ص10055: للهلال أهمية في الشريعة الإسلامية، لأنه به يتحدد التأريخ الهجري الإسلامي بالسنة القمرية، بما في ذلك مواعيد الحج و الصوم و غير ذلك.
- قضية صلب المسيح بين مؤيد و معارض عوض سمعان دار النشر الأسقفية شبرا القاهرة ص89: الشهور العبرية شهور قمرية، و عيد الفصح يقع في الرابع عشر من شهر نيسان (خروج12)، فكان يحدث اختلاف في بعض الأحيان من جهة أول يوم منها، كما يحدث لغاية الآن عند الجماعات التي تعتمد على التقويم القمري في حساب الشهور لديها.
س1- عندما حدث الاختلاف في تحديد بداية الشهور العبرية منذ فرض الله على اليهود ربط أعيادهم بالهلال إلى أن انتهى العهد القديم هل نسخ الله حكمه و سمح لليهود بتغيير التعييد بالهلال؟
س2- هل يجوز لنا تغيير التشريع الإلهي بتشريع من عندنا؟
س3- و حتى لو فرض أنه من حقنا تغيير التشريع الكتابي، فهل يجوز استبداله بتشريع وثني؟
الأدلة الكتابية على وجوب ربط العبادة و العيد بالهلال و بالقمر:
أخبار الأيام الأول 23: 31وَلِكُلِّ إِصْعَادِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ فِي السُّبُوتِ وَالأَهِلَّةِ وَالْمَوَاسِمِ بِالْعَدَدِ حَسَبَ الْمَرْسُومِ عَلَيْهِمْ دَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ.
أخبار الأيام الثاني 2: 4فَهأَنَذَا أَبْنِي بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِي لأُقَدِّسَهُ لَهُ، لأُوقِدَ أَمَامَهُ بَخُورًا عَطِرًا، وَلِخُبْزِ الْوُجُوهِ الدَّائِمِ، وَلِلْمُحْرَقَاتِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَلِلسُّبُوتِ وَ الأَهِلَّةِ وَ مَوَاسِمِ الرَّبِّ إِلهِنَا. هذَا عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ.
أخبار الأيام الثاني 8: 13أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنَ الْمُحْرَقَاتِ حَسَبَ وَصِيَّةِ مُوسَى فِي السُّبُوتِ وَ الأَهِلَّةِ وَ الْمَوَاسِمِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، فِي عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْمَظَالِّ.
مزمور 104: 19صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا.
مزمور 81: 3انْفُخُوا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِالْبُوقِ، عِنْدَ الْهِلاَلِ لِيَوْمِ عِيدِنَا.
و لقد نفذ المسلمون وحدهم هذه الوصية على الوجه الأكمل.
دائرة المعارف الإسلامية ج11ص3456: و قد أخذ محمد[صلى الله عليه و سلم] بالسنة القمرية من غير قيد و لا شرط، و من ثم فإن الحج يحين وقته في جميع فصول السنة، ذلك أنه قد حددت له أيام بذاتها في النصف الأول من ذي الحجة.
و قد نتج عن انحراف المسيحية عن هذه الوصية الإلهية العديد من المشكلات و الاختلافات.
الأدلة التاريخية على وجوب ربط العبادة و العيد بالهلال و بالقمر:
الدسقولية ص122: يا إخواننا، تحفظوا في أيام الأعياد، التي هي عيد ميلاد الرب، و كملوه في خمسة و عشرين من الشهر التاسع الذي للعبرانيين، الذي هو التاسع و العشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين. و من بعد هذا ليكن جليلا عندكم عيد الأبيفانيا. لأن فيه بدأ الرب أن يظهر لاهوته في المعمودية في الأردن من يوحنا، و تعملونه في اليوم السادس من الشهر العاشر الذي للعبرانيين الذي هو الحادي عشر من الشهر الخامس الذي للمصريين.
يقول الدكتور القس حنا جرجس الخضري عن القديس إغناطيوس ج1ص427: و طارت سمعته الحسنة و معرفته العميقة إلى روما و سمع بها البابا أنيست أسقف روما. و لذلك فقد دعاه للذهاب إلى هناك في سنة155ب م للنظر في بعض المسائل الكنسية خصوصا مشكلة تحديد تاريخ القيامة. و مع أن المقابلة لم تحقق الهدف المقصود و هو الوصول إلى اتفاق لتحديد يوم ثابت لعيد القيامة، فقد ظلت روابط المحبة المسيحية تربط بين قلبيهما.
و أوشك هذا الخلاف أن يتسبب في الشقاق بين الكنائس. ج1ص432: لقد كان إيريناوس رجل المصالحة، و لقد ظهرت فيه هذه الروح عندما أراد أسقف روما فيكتور أن يقطع علاقاته مع كنائس آسيا التي كانت لا تتفق و عادات روما و طقسها فيما يختص بالاحتفال بعيد القيامة، فقد تدخل حالا إيريناوس لتوطيد العلاقات و عدم قطع الشركة لسبب بعض الاختلافات التي لا تمس نقاطا حيوية أو جوهرية في الإيمان.
و رفع البعض سيف الحرمان للضغط على المخالفين لقبول رأيه.
تاريخ الكنيسة جون لوريمر ج1ص144: و لقد كان من عادة الكنائس في آسيا أن تعيد هذا العيد في الرابع من نيسان الشهر اليهودي (اليوم الذي كانوا يذبحون فيه خروف الفصح) دون الالتفات إلى موقع اليوم من الأسبوع، في حين كانت الكنائس الغربية تعيده في يوم الأحد الذي يأتي مباشرة بعد الرابع عشر من نيسان، قائلة إن هذا أقرب إلى ما جاء بالأناجيل، و يظهر من إحدى رسائل بوليكاربوس أن هذه المناقشة بدأت منذ سنة155م. و من الأمور المؤسفة أن الأسقف فيكتور أسقف روما دعا إلى مؤتمر لكل أساقفة الكنيسة و طلب منهم قبول رأي روما، و لكن أساقفة الكنيسة في آسيا قاوموا هذا، فما كان من فيكتور إلا أن حرمهم. و كان هذا صدمة مروعة حتى للذين وافقوه على موقفه.
و سبب الخلاف أن كنائس آسيا تريد الالتزام بالتقليد الكتابي و ربط العيد بالهلال.
تاريخ الكنيسة ليوسابيوس ص235: و قد أثيرت وقتئذ مسألة ليست هينة. لأن جميع أبروشيات آسيا اعتقدت- بناء على تقليد قديم- أن اليوم الرابع عشر القمري، و هو اليوم الذي أمر فيه اليهود أن يذبحوا خروف الفصح، هو الذي يجب أن يحفظ كعيد فصح مخلصنا. لذلك كان يجب أن ينتهي صومهم في ذلك اليوم، بغض النظر عن وقوعه في أي يوم من الأسبوع.
الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة ص328: الباب المائة و الاثنين: في ذكر العلة في عطلة القداس ثلاثة أيام جمعة البصخة: و العلة في ذلك أن يوم الأحد الذي كان فيه الشعانين كان العاشر من الهلال يوم شراء الغنم و البقر التي للعيد حسب قول الله في التوراة.
و قد استلزم الوصول إلى اتفاق العديد من الرسائل و المكاتبات أفرد لها يوسابيوس فصلا مستقلا من تاريخه.
تاريخ الكنيسة ليوسابيوس ص321: الفصل العشرون: رسائل ديونيسيوس الفصحية التي فيها يقدم قانونا فصحيا.
و عندما اتسع الخلاف استوجب تدخل الإمبراطور بنفسه.
تاريخ الأمة القبطية و كنيستها ج1ص303: من ذلك أن أول واجب فرضه عليه الإمبراطور هو أن يبت رأيا في مسألة عيد الفصح التي وقع الاختلال و الاختلاف فيها مرة ثانية، حتى إنه في سنة387 صار الفرق بين العيد المصري و العيد الروماني مدة خمسة أسابع كاملة. و بناء على ذلك وضع البطريرك تقويما للأعياد
و كان البطرك ثيوفيلوس عند ظن الإمبراطور و وضع القاعدة المعمول بها إلى اليوم، و هي المزج بين التقويم الكتابي للعيد و التقويم الوثني: ثم وضع هذه القاعدة و هي: إذا كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري يوافق يوم الأحد فعيد الفصح يتبعه بأسبوع.
و هكذا انتصرت الوثنية و نالت حظها.
و لكن الكنيسة تستطيع بكل بساطة أن تعرف أن قرارها هو الصحيح لأنها استمدته من مصدر لا يخطئ أبدا.
موسوعة علم اللاهوت ص411: رتبت الكنيسة- بإرشاد الروح القدس- أعيادا مخصوصة (سنوية) للراحة و إكراما للرب و إكرام النعمه و شكرا لبركاته، و لأنها ذات منافع كثيرة روحية و اجتماعية …….. إلخ.
عقائدنا المسيحية الأرثوذكية ص359: رتبت الكنيسة- بإرشاد إلهي- أعيادا كنسية ليحتفل بها المؤمنون بفرح و شكر، و ليتذكروا عمل الله مع الإنسان … هذا و قد سمي العيد عيدا لأنه يعود كل عام على أفراد الشعب بالفرح و التهليل.
و من الجدير بالذكر أن تواريخ الاحتفال بالأعياد الدينية المسيحية لا توافق روايات الأناجيل، فبينما يحتفل المسيحيون بعيد ميلاد المسيح في أشهر الشتاء و البرد الشديد تحدثنا الأناجيل أن وقت ميلاد المسيح كان الرعاة يخرجون لرعي أغنامهم و يتسامرون في الليل.
لوقا 2: 7فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَ قَمَّطَتْهُ وَ أَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. 8وَ كَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ.
كما يحتفلون بعيد قيامة المسيح- بحسب اعتقادهم- في الربيع، بينما تحدثنا الأناجيل أنه كان وقت برد و الناس يستدفئون بالنار وسط بيوتهم.
مرقس 14: 54وَ كَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَ كَانَ جَالِسًا بَيْنَ الْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ النَّارِ.
و نستطيع أن نكتشف سبب التغيير بسهولة عندما نقرأ:
تاريخ الكنيسة ج3ص33: تأثير الوثنية على التقويم: في الحقيقة إن البقية الضئيلة الباقية من تأثير الأوثان الرومانية موجودة في التقويم الغربي المستخدم اليوم في اللغات الأوربية، و بصفة خاصة في اللغة الفرنسية، فقد دعيت أيام الأسبوع بأسماء الشمس و القمر و الكواكب التي كان الوثنيون يعبدونها.
ثم يعطينا جدولا توضيحيا يبين هذا التأثير الوثني ص33:
- الشمس (Sun)(Sunday)الأحد بالإنجليزية
- القمر (Moon)(Monday)الإثنين بالإنجليزية
- المريخ (Mars)(Mardi)الثلاثاء بالفرنسية
- عطارد (Mercury)(Mercredi)الأربعاء بالفرنسية
- المشترى (Jupiter)(Jeudi)الخميس بالفرنسية
- الزهرة (Venus)(Vendredi)الجمعة بالفرنسية
- زحل (Saturn)( Saturday)السبت بالإنجليزية.
آلهة سكسونية:
- (Twi)(Tuesday) الثلاثاء بالإنجليزية
- (Woden)(Wednesday) الأربعاء بالإنجليزية
- (Thor)(Thursday) الخميس بالإنجليزية
- (Frigg)(Friday) الجمعة بالإنجليزية
ص33: كذلك ترجع أسماء بعض الشهور إلى الآلهة الوثنية و القياصرة الرومان: يناير من الإله يانس (Janus)- مارس من إله الحرب مارس- يوليو من يوليوس قيصر- أغسطس من أغسطس قيصر.
ج3ص122: التقويم المسيحي: تحت حكم ثيودوسيوس صار التقويم الرسمي هو تقويم الكنيسة المسيحية، و ألغيت الإجازات الوثنية، و صار الأحد هو يوم العطلة الرسمي القانوني و أصبح عيد الفصح القيامة من أهم أيام السنة مسبوقا بأربعين يوما للصوم الكبير. ثم يجري الاحتفال به لمدة أسبوعين بعد اليوم نفسه. و كانت الكنيسة الشرقية في القرن الرابع تحتفل بميلاد المسيح و عماده (عيد الغطاس الأبيفانيا) معا في يومي5، 6يناير (7يناير في مصر). ثم انتقل عيد الغطاس فيما بعد إلى يوم19يناير كما يحتفل به اليوم. أما الكنيسة الغربية، من الناحية الأخرى فاتخذت عيد الإله الوثني ساتورن (زحل) يوم 25ديسمبر و احتفلت فيه بعيد المسيح، و من هنا جاء الفرق في التواريخ.
قصة الحضارة ج11ص212: فإن ميلاد المسيح يجب أن يؤرخ قبل عام 6 ق.م. و لسنا نعرف اليوم الذي وُلِدَ فيه بالتحديد، و ينقل لنا كلمنت الإسكندري (حوالي 100م) آراء مختلفة في هذا الموضوع كانت منتشرة في أيامه؛ فيقول إن بعض المؤرخين يحدده باليوم التاسع عشر من إبريل و بعضهم بالعاشر من مايو، و إنه هو يحدده بالسابع عشر من نوفمبر من العام الثالث قبل الميلاد. و كان المسيحيون الشرقيون يحتفلون بمولد المسيح في اليوم السادس من شهر يناير منذ القرن الثاني بعد الميلاد. و في عام 354 احتفلت بعض الكنائس الغربية ومنها كنيسة روما بذكرى مولد المسيح في اليوم الخامس و العشرين من نوفمبر، و كان هذا التاريخ قد عد خطأ يوم الانقلاب الشتائي الذي تبدأ الأيام بعده تطول؛ و كان قبل هذا يحتفل فيه بعيد مثراس، أي مولد الشمس التي لا تقهر. و استمسكت الكنائس الشرقية وقتاً ما باليوم السادس من يناير، و اتهمت أخواتها الغربية بالوثنية و بعبادة الشمس؛ و لكن لم يكد يختتم القرن الرابع حتى اتخذ اليوم الخامس و العشرين من ديسمبر عيداً للميلاد في الشرق أيضاً.
و إنني أتعجب كيف يجرؤ المرء على تغيير الوصية الإلهية العظيمة بهذه الوثنية السفيهة، و أتعجب أكثر كيف يستطيع أن ينشر هذا التغيير و يجاهربه و كأنه لم يرتكب جريمة يجب عليه سترها و الخزي منها.
و لسنا في حاجة إلى التساؤل: أي التقويمين ينبغي أن يتبعه المؤمنون، التقويم الوثني الذي وضعه الوثنيون تعظيما لآلهتهم، أم التقويم الإلهي الذي أمر الله باتباعه؟
و نقول الآن بملء أفواهنا و بكل قلوبنا: الحمد لله على نعمة الإسلام و كفى بها نعمة.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182 الصافات)
مهندس/ فرج الله
الشيخ المهندس فرج الله عبيد
المراجع حسب ترتيب الرجوع إليها:
- العبادات في الأديان السماوية عبد الرزاق رحيم الأوائل للنشر والتوزيع دمشق
- دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين طبع مركز الشارقة للإبداع الفكري
- مقال “الحج” للمستشرق فنسنك
- مقال “الله” للمستشرق ماكدونالد
- مقال”الطواف” للمستشرق فريدريك بول
- مقال”أبرهة” للمستشرق فريدريك بول
- مقال”أبرهة” للمستشرق بيستون
- مقال” الهلال” للمستشرق إيتنجوازن
- دائرة المعارف الكتابية تأليف مجموعة من اللاهوتيين مسئول التحرير وليم وهبة بباوي نشر دار الثقافة
- قاموس الكتاب المقدس تأليف نخبة من اللاهوتيين برئاسة تحرير الدكتور القس بطرس عبد الملك
- قاموس أعلام الكتاب المقدس تأليف مكرم مشرقي
- الأركان الأربعة أبو الحسن الندوي دارالقلم
- الحج في الإسلام و الديانات الأخرى أحمد عبد الغفور عطا وزارة الحج و الأوقاف السعودية
- المدخل إلى الكتاب المقدس حبيب سعيد دار التأليف و النشر للكنيسة الأسقفية بالقاهرة بالاشتراك مع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى
- تاريخ الكنيسة جون لوريمر ترجمة الدكتور فهيم عزيز و عزرا مرجان دار الثقافة
- العقيدة النصرانية بين القرآن و الأناجيل حسن الباش دار قتيبة للطباعة و النشر و التوزيع دمشق
- البحث عن الاثني عشر رسولا وليام ستيوارت ماكبرين ترجمة الدكتور إبراهيم سالم الطرزي
- قصة الحضارة ول ديورانت ترجمة محمد بدران و د عبد الحميد يونس مكتبة الأسرة الهيئة المصرية العامة للكتاب
- شريعة الزوجة الواحدة البابا شنودة مطبعة الأنبا رويس بالعباسية
- حقيقة الحج وحيد الدين خان دار الصحوة للنشر
- على عتبة الكتاب المقدس الأب جورج سابا منشورات المكتبة البولسية بيروت
- الإنجيل كيف كتب و كيف وصل إلينا القس عبد المسيح بسيط أبو الخير مطبعة المصريين
- مختصر تاريخ الكنيسة أندرو ملر مكتبة الإخوة
- الكنائس الشرقية و أوطانها تأليف رهبان من الكنيسة القبطية مكتبة المنار
- سفير الإسلام إلى سائر الأقوام محمد فريد وجدي مطبعة الأزهر
- محمد الرسالة و الرسول نظمي لوقا دار الكتب الحديثة
- الأبطال توماس كارليل مكتبة مصر بالفجالة
- الدعوة إلى الإسلام بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية تأليف سير توماس و أرنولد مكتبة النهضة المصرية
- الأسطورة و التراث د سيد القمني المركز المصري لبحوث الحضارة القاهرة
- التفسير التطبيقي نخبة من الأساتذة نشر شركة ماستر ميديا
- تفسير الطبري
- تفسير ابن كثير
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- النسخة اليسوعية للكتاب المقدس دار المشرق بيروت
- محمد و الوثنية سام شمعون
- إيماني أو القضايا المسيحية الكبرى القس إلياس مقار مطبعة دار الجيل نشر دار الثقافة
- عقائدنا المسيحية الأرثوذكسية إعداد القس بيشوي حلمي دار نوبار للطباعة
- موسوعة علم اللاهوت للعلامة القمص ميخائيل مينا تعليق و تبسيط و تنسيق دياكون د ميخائيل مكسي إسكندر مكتبة المحبة
- حياة الصلاة الأرثوذكسية الأب متى المسكين مطبعة دير القديس أنبا مقار وادي النطرون
- اللاهوت المقارن ج1 البابا شنودة الثالث الناشر الكلية الإكليريكية بالقاهرة
- مطلع النور، موسوعة العقاد الإسلامية
- النسخة العربية المشتركة
- نسخة كتاب الحياة
- هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟ القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
- سنوات مع أسئلة الناس البابا شنودة الثالث مطبعة الأنبا رويس بالعباسية
- لماذا اخترت الإسلام جمال زكريا أرمانيوس مكتبة النافذة
- 93 من البشارات بخاتم النبوات د وديع أحمد فتحي دار البشائر
- تفسير النسفي
- الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم مايكل هارت ترجمة أنيس منصور المكتب المصري الحديث
- الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم الناشر كنيسة مار مرقس القبطية الأرثوذكسية بمصر الجديدة.
- معجم الكلمات الصعبة للعهد القديم دار الكتاب المقدس
- قضية صلب المسيح بين مؤيد و معارض عوض سمعان دار النشر الأسقفية شبرا القاهرة
- الدسقولية تعاليم الرسل تعريب القمص مرقس داود مكتبة المحبة شبرا
- تاريخ الفكر المسيحي الدكتور القس حنا جرجس الخضري دار الثقافة
- تاريخ الكنيسة يوسابيوس القيصري ترجمة القمص مرقص داود مكتبة المحبة
- الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة يوحنا بن زكريا بن سباع ترجمة الأب فكتور منصور مستريح الفرنسيسي مؤلفات المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية مطبعة القاهرة الجديدة
- تاريخ الأمة القبطية و كنيستها لويزا باتشر تعريب إسكندر تادرس مطبعة مصر بالفجالة

هناك تعليق واحد :

  1. الحج في الإسلام أضاف لحج اليهود ما يُقدسه المسيحيون ومسجد السامريين (البيت العتيق) الذي تخلى عنه اليهود والمسيحيين في الأرض المقدسة.

    الإسلام آخر رسالة وصلت البشرية من الله وما أنزل الله رسالة جديدة إلا أن أهل الرسالات السابقة تركوا كُتب الله،وهذا يعني أ، كل ما هو موجود من عبادات (الحج) باطل لا يُمكن أن نصفه بعبادة الله ،لأن العبادة بُرهان يُفعل فيدل على أن العابد أكد عبادة الله جهرا وهي ببساطة الحج إلى الله .
    قبل أن نعرف الحقيقة يجب أن يعلم المؤمن أن الحج إلى الفاتيكان باطل والحج إلى الكعبة الشامية في فلسطين باطل وأن الحج في الكعبة أيضا باطل لأنهم كانوا مراكز لحج أهل الجاهلية قبل الإسلام .
    جاء في حديث لرسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام .
    . ألا كلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهلية ِتحت قدميَّ موضوعٌ . الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
    الصفحة أو الرقم: 1218 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.

    والأمر بالحج إلى الأقصى في القرآن في فريضة تُشد لها الرحال سياحة في الأرض تدوم أربعة أشهر .

    بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ

    فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ

    وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.3.سورة التوبة.

    وقد ورد في هذه الآيات تهديدا للعرب إن لم يتوبوا إلى الله ويحجون إليه بدل الحج إلى آلهتهم في الحجاز فقال، وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ

    وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

    وذلك لأن الله يعلم أن العرب لن يحجوا إلى الأرض المقدسة لأنها ليست أرضهم بل أرض البربر ( أهل الصفة في الاسلام -الصوفية في المسيحية والآن) خاصة لما أمرهم الله أن لا يُحاربوا أهل المسجد الأقصى ولا يُخرجوا منه أهله.


    يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.218.البقرة.

    كلمة المسجد الحرام تُطلق على المسجد الأقصى في خمسة آيات .
    1).قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون.144.البقرة.

    2).ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وانه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون.149.البقرة.

    3).ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون.150.البقرة.






    تفاصيل مناسك الحج في الأرض المقدسة في الإسلام ومقارمنتها بتفاصيل الحج في الكعبة
    .http://hiwaraladian-askrimohamed.blogspot.com/2015/11/blog-post_28.html


    الباحث التونسي محمد علام الدين العسكري.


    تم النشر قبل 4th January 2016 بواسطة mohamed askri



    http://hiwaraladian-askrimohamed.blogspot.com/2016/01/blog-post_4.html

    ردحذف